شبكة اخبار الدفاع والتسليح العالميهحقيقة _ أخطر جاسوس مصرى فى قلب الجيش الإسرائيلى
فى البدء كان «رأفت الهجان»، استقر فى «إسرائيل» بهوية جديدة، واسم جديد «جاك بيتون»، وصار منزله قِبلة لقادة «الدولة» ونخبة تل أبيب. وكان من الطبيعى أن تحاول المخابرات المصرية إعادة إنتاج هذا النجاح العريض. فتل أبيب مدينة تعشق «المهاجرين الجدد»، والهجان حقق نجاحا فاق كل التوقعات. لكن عملية اليوم التالى كانت أكثر طموحا، لذلك تطلبت شابا مصريا ذكيا.. ومغامرا، لا يقبل فقط بفكرة زرعه فى إسرائيل، ولكن يقبل بتجربة التجنيد فى «الجيش الإسرائيلى»، على أن يضع نصب عينيه الانضمام لوحدة القوات الخاصة، أو سلاح الاستخبارات الحربية. ساعتها ستكون ضربة فى الصميم.
لم يكن المطلوب أن يقضى جل عمره داخل «الجيش».. العملية محدودة الوقت.. والأهداف. مدة التجنيد ثلاث سنوات. يكفى سنة واحدة، ينخرط فيها الشاب المصرى فى تكوينات جيش الاحتلال.. يخوض التجربة بنفسه، يضع قدميه على أول الطريق، مكتب التجنيد (ليشكات جِيِّوس- بالعبرية)، ثم وحدة المستجدين، يتلمس مشاعر الجنود عن قرب، يتعامل مع الدبابات ومكوناتها بنفسه، يلقى بجسده داخل السيارات المدرعة. يسجل بعدسة الكاميرا التى لا تفارقه كل ما يراه.. وهكذا كان رأفت الهجان فى البدء. و«كابورك يعقوبيان» فى اليوم التالى حين صعد على ظهر السفينة «يَمِيت» التى نقلته لـ«إسرائيل»، ليبدأ واحدة من أخطر عمليات المخابرات المصرية فى العمق الإسرائيلى.
جاسوسنا فى «جيش الاحتلال الإسرائيلى» إسحق كاوتشوك، ولد فى مصر باسم «كابورك يعقوبيان»، مصرى أرمنى الأصل، ابن بلد، بمصطلحات أواخر الثلاثينيات، وأوائل الأربعينيات. حصل على الابتدائية بتفوق، ثم البكالوريا.. وبات على أبواب الجامعة فى مجتمع «كوزموبوليتانى» يفيض بجاليات أجنبية تعشق مصر. فى عيد ميلاده العشرين، توفى والده، وتحمل عبء إعالة أمه الفقيرة. قرر الشاب الوسيم «كابورك» تحويل هوايته إلى مهنة واحتراف. احتضن كاميرته وتجول فى الحدائق يلتقط الصور للعشاق، وأبناء الطبقة الوسطى. كان العمل شاقا، والرزق شحيحا، وكابورك يحب الحياة، ويقبل على ملذاتها.. خلب عقول من حوله بوسامته، ولغته العربية المكسرة. عانى ماديا، فتورط فى عمليات نصب مخلوطة بخفة دم «المحتال الأرمنى». فجأة وجد نفسه يقضى عقوبة ثلاثة أشهر حبسا فى أحد السجون المصرية. لكن فى ديسمبر ١٩٥٩، بعد مُضى ثلاثين يوما فى السجن، طرق باب زنزانته الانفرادية رجل أربعينى.. يعرض عليه صفقة: «عفا الله عما سلف، ونؤمن مستقبلك، ومستقبل أسرتك مقابل العمل لصالح المخابرات العامة المصرية». وافق «يعقوبيان» فورا، وبلا تردد، فقد اشتاق للحرية.
شبكة اخبار الدفاع والتسليح العالميه
كان «يعقوبيان» شخصا نموذجيا بالنسبة لأى ضابط تشغيل يبحث عن عميل لزرعه فى «مجتمع هجرة». لديه موهبة طبيعية فى تعلم اللغات، قبل أن يتم الثانية والعشرين من عمره أتقن الإنجليزية، والفرنسية، والعربية، والإسبانية، والتركية. قصير القامة، (١.٦٥ سم)، نحيف، عريض الوجه.. شعره بنى وعيناه صافيتان باللون نفسه. استغرق إعداده عاما كاملا، فى منزل آمن بالقاهرة. دربه الخبراء على أساليب العمل السرى، والتخلص من المراقبة، واستعمال الحبر السرى، وتصغير الصور، وجمع المعلومات، وتحليلها. لكن الجهد الأكبر تركز على تأهيله لتقمص شخصية يهودى مصرى، وما كان سهلا مع «رفعت الجمال» المصرى المسلم، كان مرهقا بالنسبة لـ«يعقوبيان» المصرى الأرمنى. فكان من الضرورى إخضاعه لعملية ختان، فى أحد مستشفيات القاهرة. فاليهود يختنون ذكورهم بعد مرور سبعة أيام على مولدهم.. وهو طقس يحرصون على تنفيذه حتى لو وافق يوم السبت الذى يحظر على اليهودى القيام بأى عمل فيه. فالختان فى اليهودية هو دليل الولاء لعقيدة «إسرائيل».
وقامت خطة زرع يعقوبيان فى إسرائيل على فكرة السهل الممتنع، كان من المقرر أن يتقمص شخصية يهودى متدين حتى يكتسب ثقة من سيحيطون به فى «إسرائيل» بسرعة، ويحظى باحترامهم. ولمعت فكرة تدريبه على يدى يهودى مصرى، لكن كيف تضمن المخابرات المصرية ولاء يهودى مصرى فى هذه الفترة التى نشطت فيها الحركة الصهيونية فى القاهرة!! وصار الحل الوحيد أن يتعلم «يعقوبيان» بنفسه كل ما يتصل باليهودية. يتردد أولا على المعبد اليهودى فى شارع عدلى «بوابة السماء». يلتقط العادات والتقاليد والطقوس الدينية اليهودية، ويمارسها، يشارك فى الأعياد والصلوات، ويعيش نمط الحياة اليهودية ٢٤ ساعة يوميا. ويقضى الليل فى قراءة كتب وصحف عن «إسرائيل». وفى تلك الأثناء كان الخبراء المصريون قد أوشكوا على الانتهاء من إعداد الأوراق والوثائق اللازمة فى مهمته الجديدة.
طبقا للخطة الموضوعة، كان على «يعقوبيان» أن يقدم نفسه بوصفه ابنا لعائلة يهودية تركية لجأت إلى القاهرة من اليونان. كُتب فى أوراقه أنه من مواليد سالونيكا، عام ١٩٣٥، ويدعى «إسحق كاوتشوك». مرت أسرته بظروف عصيبة فى موطنها الأصلى، بعد أن هجر الأب زوجته وابنه، إلى مكان غير معلوم. فقررت الأم الهجرة بصحبة ابنها إلى مصر، وتوفيت، ودفنت فى مقابر اليهود بالبساتين. ولتأكيد القصة كان «المصوراتى يعقوبيان» يسحب من جيب سترته صورة قبر أمه ويبكى كثيرا متأثرا بلوعة الفراق، حتى يُبكى من حوله!! وزيادة فى الاطمئنان حمل «يعقوبيان» فى جيب سترته أوراق هوية صادرة عن الطائفة اليهودية بالقاهرة. زودته بها الوحدة الفنية التابعة للمخابرات، ورغم دقة التزييف وإتقانه، حمل «كاوتشوك» صورة ضوئية للوثائق حتى يصبح كشف الأختام المزورة ضربا من المستحيلات.
وبعد مرور تسعة أشهر، وفى خريف ١٩٦٠، حصل «إسحق كاوتشوك» على «شهادة لاجئ» من وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. حملها، وتوجه إلى قنصلية البرازيل، طالباً تصريح هجرة. وكان اختيار المخابرات المصرية للبرازيل كـ«دولة معبر» فى منتهى الذكاء. بعد أن شددت الحكومة المصرية القيود على هجرة اليهود إلى أوروبا اعتبارا من١٩٦٠، وبدت الهجرة من مصر إلى البرازيل مقنعة وأكثر منطقية. وفى مارس ١٩٦١ سافر «يعقوبيان» بحراً بهويته الجديدة من الإسكندرية إلى ميناء جنوا بإيطاليا، ثم صعد إلى السفينة الإسبانية (كافاسان روكى) المبحرة إلى البرازيل.
وعلى متن السفينة التقى «يعقوبيان» مع «إيلى أرجمان»، شاب «إسرائيلى»، فى الثلاثين من عمره، من كيبوتس «بارور حيال» غرب النقب. كان متجها برفقة زوجته وابنتيه إلى البرازيل فى زيارة عائلية. «أرجمان» شاب رومانسى، يعيش حياة جماعية فى «الكيبوتس»، وبرغم تفاخره بأنه علمانى، إلا أن بداخله يهوديا عميق التدين. انبهر فورا بـ«إسحق كاوتشوك» الهارب من القاهرة.. وبدا له أن «كاوتشوك» تجسيد حى لخروج بنى إسرائيل من مصر فى العصور القديمة!! وأن بقاءه فى البرازيل هو فترة التيه التى يجب أن تنتهى بأسرع ما يمكن!! وزاد تعاطفه، عندما بدأ «يعقوبيان» يبكى اليتم، وأمه المتوفاة، وكونه «مقطوعا من شجرة»، تعرض للاضطهاد والتعذيب فى مصر.
وسرعان ما نشأت علاقة حميمة بين «اللاجئ اليهودى» والأسرة «الإسرائيلية». لم يفترقوا طوال الرحلة التى امتدت أسبوعين فى عرض البحر، يأكلان معا، يشربان معا، يسهران. توطدت العلاقة، فمد «يعقوبيان» يده فى الحقيبة وأخرج ألبوم الصور، ليرى «أرجمان» صورة لقبر أمه. وانخرط الشاب «الإسرائيلى» فى بكاء شديد.. وهنا تأكد «كاوتشوك» أن هويته الجديدة وقصته المحبوكة تعملان كدقات ساعة سويسرية.. ولم يتبق سوى تحديد ساعة الصفر.
وبدأ «أرجمان» يعرض خدماته مخلصا، وأدرك كاوتشوك أن لقاء الصدفة الذى جمعه مع «أرجمان» يبشّر بأن الحظ حليفه، وأن فرصه فى الوصول إلى «إسرائيل»، دون أن يشتبه به ضباط «الشاباك» جيدة للغاية.. لم يطلب «كاوتشوك» من عائلة «أرجمان» مرافقتهم إلى تل أبيب، بل أكد رغبته فى الاستقرار بأمريكا اللاتينية، وتوقع أن «أرجمان» سيدعوه للهجرة إن آجلا أم عاجلا، وصدق حدسه، لكن المفارقة أن الشاب «الإسرائيلى» انتهز فرصة احتفال اليهود على متن السفينة بالعيد الثالث عشر لقيام «إسرائيل»، وأخذ يلحّ على الجاسوس المصرى بانفعال وحماس شديد لكى يسافر معه إلى «إسرائيل»، وظل «صاحبنا» يتمنّع، ويتهرب من الموافقة!!
فور الوصول إلى البرازيل ودعت أسرة «أرجمان» صديقها الجديد بانفعال بالغ. واستمرت اللقاءات بينهم طوال الشهرين اللذين مكثت فيهما عائلة «أرجمان» فى «ريو دى جانيرو». أخذ «أرجمان» يحكى للشاب اليهودى النازح من مصر، الذى أطلق عليه سيدنا موسى (موشيه ربينو) عن تاريخ الصهيونية.. والاستيطان اليهودى فى فلسطين.. واحتياج «إسرائيل» لسواعد الشباب. وبين حكاية وأخرى يلمح له ويشجعه على الهجرة. ثم عرض عليه تعريفه بمسؤولى الوكالة اليهودية، ليشرحوا له حقوقه كمواطن وفرص نجاحه كـ«مهاجر». تظاهر «يعقوبيان» بالتردد، حتى استجاب فى النهاية تحت الضغط والإلحاح. وبعد شهرين فى البرازيل حانت ساعة الفراق التى تذكرها «أرجمان» فى التحقيقات جيدا. «كانت لحظة صعبة للغاية، سيطرت على، وعلىّ أسرتى، مشاعر حزن عميق. جاء لتوديعنا فى الميناء، اشترى هدايا لابنتى.. ولم نتركه حتى وعدنا بأنه سيحضر لـ«إسرائيل»، إن لم تكن هجرة دائمة، فعلى الأقل زيارة طويلة.
بعد سفر عائلة «أرجمان»، التقى «يعقوبيان» بسالم عزيز السعيد، الذى عرف فى «ريودى جانيرو» بأنه الملحق التجارى المصرى، لكنه فى الحقيقة كان ضابط المخابرات بالسفارة. وبناء على تعليماته انتقل «يعقوبيان» للإقامة فى «سان باولو»، وهناك قام بخطوة مهمة. حصل من السلطات المحلية على بطاقة برازيلية سليمة، تفيد خانة الديانة فيها بأنه «يهودى»، وبعد نجاحه عاد إلى العاصمة والتحق بالعمل فى استديو تصوير.
وفى نهاية ١٩٦١، توجه «كاوتشوك» إلى الوكالة اليهودية.. قدم طلب «هجرة».. لم تستغرق الإجراءات وقتا طويلا. وأبحر «كاوتشوك» من البرازيل إلى جنوا، حيث التقى مع ضابط تجنيده الذى وصل خصيصا من القاهرة، وحضر المقابلة سالم السعيد. لقّنوه التعليمات والأوامر الأخيرة.. وراجعوا معه الخطوات التى سيقوم بها فى «إسرائيل» لتثبيت وضعه. أكدوا عليه أن يعمل ببطء، وبالتدريج، وأن يندمج فى المجتمع أولا، ولا يبدأ مهامه قبل تلقى الأوامر. كانت الخطة واضحة ومحكمة.. «يعقوبيان» سيصل إلى «إسرائيل» وهو فى سن التجنيد، سيتم ضمه «للجيش الإسرائيلى»، ولذلك كانت التعليمات الأخيرة فى «جنوا» تؤكد أفضلية الانضمام للقوات الخاصة، أو شعبة الاستخبارات الحربية التى قد تفضله لأنه يجيد العربية، أو سلاح المدرعات.
منتصف ديسمبر ١٩٦١، بدأت السفينة «يَمِيت» تبحر من جنوا، إلى ميناء حيفا، وعلى متنها «إسحق كاوتشوك» البالغ من العمر ٢٤ عاما، لكن أوراقه تفيد بأنه فى الـ ٢٧. أنهى «يعقوبيان» إجراءات الخروج من الميناء سريعا، وبدأت رحلة البحث عن أقرب هاتف، اتصل بصديقه.. «إيلى أرجمان». كان اللقاء بينهما فى «الكيبوتس» (مستعمرة تعاونية) مشحونا بالعواطف، كأنهما صديقان منذ الطفولة. اقترح «أرجمان» استضافته فى «الكيبوتس». وألحّ عليه، إنك: وحيد، بلا أقارب، أو أصدقاء هنا، فوافق على العرض. وبناء على توصيات «أرجمان» رتبت له «الوكالة اليهودية» حجرة معيشة مشتركة، ومدرسة لتعلم العبرية، فى كيبوتس «دوروت» المجاور. لكن «كاوتشوك» لم يستمر طويلا، اشتكى من كونه لا يستطيع أن ينام مع شخص لا يعرفه فى نفس الغرفة. طلب الانتقال إلى مقر سكن آخر لكن فى نفس المنطقة.. وكان الهدف تنفيذ خطة المخابرات المصرية.. التى أكدت على أن يبقى بالقرب من قطاع غزة. حتى يتمكنوا من تخليصه فى أوقات الطوارئ. كما أن هذا القرب الجغرافى يسهل نقل الرسائل بسرعة كبيرة نسبياً، بعد أن تم تحديد نقاط الإرسال على الحدود بين «إسرائيل» والقطاع.
وهنا تدخل «إيلى أرجمان» مجددا، استخدم نفوذه لدى الوكالة حتى عثروا لـ«يعقوبيان» على مسكن ومدرسة فى كيبوتس «نجفا». ونجح «يعقوبيان» بدوره فى اكتساب ثقة كل من حوله، حتى إن سكرتير الكيبوتس «تسيفى لوفلينير» يقول إنه: «كان يعمل بإخلاص، وكان يدرس العبرية فى الصباح الباكر، ثم يقضى بقية النهار فى العمل بالمزرعة الجماعية». وصار محبوبا من كل زملائه فى المستعمرة، الذين أشفقوا عليه بعد أن انتشرت قصة يتمه، ووفاة أمه. وساعده فى الاندماج إتقانه خمس لغات حية، زادوا بعد تكليفه بالمهمة إلى سبع حيث أتقن البرتغالية فى البرازيل، والعبرية تعلمها فى مصر، لكنه لم يعترف بذلك أبدا. «يهوديت هارئيل» مدرسته فى معهد تعليم العبرية كانت تظنه عازفا عن التعليم، وكل همه تصوير بنات الكيبوتس بكاميرته. وكانت كاميرا متطورة للغاية، بمعايير هذه الفترة. حمل مستلزماتها، وعدساتها، دائما فى حقيبته. وإلى جوارها صور مهزوزة، تخلق انطباعا بأنه مصور هاوٍ، وليس مصورا محترفا.
فى «الكيبوتس» الجديد، وقعت فى غرامه فتاة فى الـ ١٧ من عمرها، مات عنها أبوها فى إحدى هجمات الجيش المصرى على القوات الصهيونية عام ٤٨. واعترض أفراد عائلتها على هذه العلاقة، حتى عندما أعلنا رغبتهما فى الاقتران. وفى عام ١٩٦٢، فاتحه المسؤولون فى «الكيبوتس» بخصوص مستقبله، فى البداية أخبرهم بأنه يفكر فى عضوية الكيبوتس، ثم أوضح أنه ينوى فتح أستديو، وفى النهاية حصد إعجابهم بقرار التجنيد فى صفوف الجيش.
قبل الانخراط فى الجيش، توجه «كاوتشوك» إلى الوكالة اليهودية وطلب معونة مالية للحصول على سكن، فقدمت له الوكالة ٣٠ ليرة، ووجهته لشركة «عميدار» الإسكان، حيث وقع عقد إيجار شقة مشتركة مع مهاجر يهودى من المغرب. وحصل الاثنان على الشقة رقم ١/٦٨٩ بمدينة عسقلان، التى لا تبعد عن الحدود مع غزة سوى سبعة كيلومترات، وتفصلها عن القطاع بعض الحقول والتلال الرملية. فى نوفمبر ١٩٦٢، تجند «كاوتشوك»، واقترحوا عليه فى البداية الانضمام لدورة تأهيل الضباط.
لكن وفقا لنصيحة المخابرات، طلب الانضمام لسلاح المدرعات ولكن لحسن الحظ أصبح عضواً فى سلاح آخر، أنهى دورة التدريب الخاصة بسلاح النقل فى (بيت نبالا) بالقرب من مطار اللد، وهناك واصل هواية التصوير، لم تفارقه الكاميرا. صور الجنود.. الأسلحة.. الدبابات، الطائرات، الصواريخ، السيارات المدرعة، أجهزة الرادار، حتى المبانى والمعدات. كان يصور زملاءه للذكرى، وفى الخلفية آليات الجيش الإسرائيلى، ومدافعه. وفى نهاية التدريب حدث ما لم يكن متوقعا لدى أكثر المتفائلين فى القاهرة. طُلب «يعقوبيان» للعمل سائقاً ومساعدا شخصياً لضابط كبير فى «الجيش الإسرائيلى»، العقيد «شماعيا بيكنيشتاين» أحد قادة «الهاجانا» قبل إعلان إسرائيل
ووفرت هذه الوظيفة لـ«يعقوبيان» الذى حظى بثقة رئيسه سريعا، الاطلاع على معلومات سرية، وحساسة للغاية، ساعدت القاهرة كثيرا فى فهم طبيعة العمل والتسليح فى الجيش الإسرائيلى. تمكن من تصوير بن جوريون، وهو يتسلم بنفسه طائرات الميراج الفرنسية فى مطار عسكرى سرى بتل أبيب. وكان طرفا ثالثا فى اللقاءات التى يعقدها العميد بيكنيشتاين مع وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان.
وكان الحظ حليفا ليعقوبيان، عندما حصل على مصدر جديد للمعلومات، بعد التحاق صديقته بالجيش، وكانت ثرثارة تزوره دائما فى حجرته. وتبدأ فى حديث لا يتوقف عن وحدتها العسكرية بسلاح المدفعية، وكل ما دار فيها من لقاءات تحضرها بسبب عملها فى مكتب قائد الوحدة. وبعد عام كامل من تدفق المعلومات بدأ النهر ينضب شيئا فشيئا، العقيد «بيكنيشتاين» سيحال للتقاعد قريبا، و«ياعيل» الثرثارة على وشك إنهاء خدمتها العسكرية. وصدر القرار من القاهرة، يُلزم يعقوبيان بإنهاء مهمته فى الجيش، والاستعداد لمهام أخرى داخل المجتمع الإسرائيلى.
التحق «يعقوبيان» بوظيفة مصور فى أستديو «مونى».. أكبر أستديوهات حيفا. وواصل هوايته فى التصوير وكان يتباهى بأن كاميراته تلتقط الصور من مسافات بعيدة. وتطورت وسائل الاتصال بينه وبين المخابرات المصرية فى هذه الفترة، كان يغلق على نفسه باب حجرته، ويدير إبرة الراديو على محطة «صوت العرب «ليلتقط التعليمات التى ترسلها قيادته عبر البث الإذاعى، ونصوص متفق عليها فى نشرات الأخبار.
لكن لا تأتى الرياح دائما بما تشتهى السفن. ففى الـ ١٩ ديسمبر عام ١٩٦٣، طرق رجال الشرطة والشاباك باب منزل «كاوتشوك» فى عسقلان، فتح الباب بنفسه.. دفعوه فى صدره بقوة.. اندفعوا داخل الحجرة.. اعتقلوه.. صادروا حقائبه ودولابه الصغير، وكراسة صغيرة مشفرة، وجهاز استقبال مخبأ داخل راديو ترانزستور.
أصيب «يعقوبيان» بدهشة كبيرة، الرجل لم يخطئ خطأ واحدا، لكنه حظه العثر. «إسرائيل» فى ذلك الوقت كانت أسيرة الهواجس الأمنية، يحكمها رجال المخابرات.. ضباط الشاباك والموساد برئاسة «إيسار هارئيل» يتجسسون على المواطنين، يرصدون حتى المزاج السياسى لسكان «الكيبوتسات». وفى ظل هذه الظروف، صدر قرار بمراقبة البريد الصادر من «إسرائيل». ولم تكن المهمة صعبة.. سكان «إسرائيل» لم يتجاوز عددهم فى ذلك الوقت ثلاثة ملايين نسمة، وكانت الرسائل المبعوثة للخارج يتم جمعها فى مكتب البريد المركزى، يفضها عمال البريد. ويؤشرون على ما يثير ارتيابهم للشاباك.
وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك فرصة للنجاة، لقد أرسل كاوتشوك أكثر من رسالة إلى الخارج خلال الفترة من أبريل ١٩٦٢ إلى نوفمبر ١٩٦٣، وأول رسالة اعترضها الشاباك كانت تشمل تقريراً عن أحد المعسكرات فى منطقة الجنوب، وصوراً للمعسكر من الداخل، وتمكن الشاباك من فك رموزها، وبدأت عملية التتبع، ومن رسالة إلى أخرى اتضح أن العميل المصرى يسكن فى المنطقة الجنوبية، وشيئاً فشيئاً أدرك الشاباك أن العميل يسكن فى عسقلان، التى تمت مراقبتها جيداً وجمع معلومات عن سكان المدينة، إلا أن رجال الأمن لم يتوصلوا لأى معلومات، وفى أحد الأيام، وبالصدفة اصطدم شرطى من أصل مصرى بمهاجر جديد يدعى «إسحق كاوتشوك»، ولم يرتاح له، فأبلغ قائد الشرطة المحلية، الذى أبلغ الشاباك، والتقت المعلومات، وتم إلقاء القبض على كاوتشوك.
واتضح فى التحقيقات أنه كان يتلقى التعليمات عبر جهاز موجود فى غرفته، وأنه زار إيطاليا مرتين التقى خلالهما مسؤولى البعثة الاستخبارية المصرية فى أوروبا.
وتمت محاكمة كاوتشوك فى المحكمة المركزية بالقدس. وأشار النائب العام الإسرائيلى «جدعون حاسيد»، خلال المحاكمة، إلى الأسلوب المتطور الذى اتبعه المصريون فى تشغيل وزرع «يعقوبيان»، وأضاف أن الأضرار التى ألحقها «يعقوبيان» بإسرائيل تنطوى على خطورة بالغة جداً، ولذلك طالب بتوقيع أقصى عقوبة ممكنة.
وبالفعل قبل القضاة المرافعة، وحكموا عليه بالسجن ثمانية عشر عاماً، وفى عام ١٩٦٥ قدّم يعقوبيان طلباً لاستئناف قضيته، لكن طلبه قوبل بالرفض بضغط من رئيسى الموساد والشاباك، وتم رد الاستئناف من قبل رئيس المحكمة القاضى «يتسحاق أولشين» الذى قال: «لقد تم زرع كاوتشوك من قبل دولة عدوة بعد تخطيط مسبق، وتم تدريبه على تنفيذ أعمال التجسس داخل (إسرائيل) وعمل فى (إسرائيل) لمدة عامين مدعياً أنه يهودى، وتسلل إلى البلاد عبر الخداع والخدمة فى المؤسسات العسكرية، وقدم معلومات عبر الرسائل السرية التى أرسلها للمخابرات المصرية، واعترف لاحقاً بجرائمه». لذلك رفضت المحكمة طلب الاستئناف الذى قدمه.
لكن يعقوبيان لم يبقَ فى السجن طويلاً، ففى التاسع والعشرين من مارس ١٩٦٦ وخلال ساعات الصباح الباكر تم إخراجه من سجن الرملة المركزى ونقل إلى حاجز إيريز عند حدود قطاع غزة، وتم تسليمه للسلطات المصرية فى الساعة التاسعة صباحاً تحت إشراف رجال الأمم المتحدة، وبصحبته «حسين حسن»، و«مسعد خميس، فدائيان فلسطينيان اعتقلا، وهما فى طريقهما لتنفيذ مهمة، وفى المقابل تسلمت «إسرائيل» ثلاثة من اليهود اجتازوا الحدود المصرية عن طريق الخطأ والثلاثة هم تجار الخضروات: «عوديد مئير»، و«دافيد حانوكا» وابنه «شموئيل» اجتازوا الحدود عام ١٩٦٥ لشراء البطيخ من غزة، واعتقلتهم دورية تابعة للأمم المتحدة، وسلمتهم للجنود المصريين، واستغلت مصر الفرصة وطالبت إسرائيل بالإفراج عن «كاوتشوك» والفدائيين الفلسطينيين، ورفضت «إسرائيل» فى البداية الصفقة، بحجة أن المصريين يطالبون بالإفراج عن جاسوس وفدائيين كانا ينويان القيام بأعمال تخريبية ضد أهداف «إسرائيلية»، مقابل ثلاثة مدنيين اجتازوا الحدود بطريق الخطأ، لكن فى نهاية الأمر نجح العناد المصرى واستجابت «إسرائيل».
لقد ظلت عملية «كابورك يعقوبيان» بمثابة الصفعة التى تلقاها «الجيش الإسرائيلى» على وجهه، وتركت أثراً لا يمحى، حتى بعد توقيع «اتفاقية السلام»، تدفق الصحفيون «الإسرائيليون» على مصر، وفتشوا القاهرة شارعا شارعا، بحثا عن «يعقوبيان» لإجراء مقابلات صحفية أو تليفزيونية، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، فقد كان «يعقوبيان» يعيش فى هدوء وأمان بعيدا عن متناول الصحفيين الإسرائيليين، وأجهزة الأمن الإسرائيلية التى ظلت سنوات تضعه على قائمة أعداء إسرائيل، المرشحين للتصفية الجسدية فى أسرع وقت ممكن.
المصدر : منتديات ياهوو
شبكة اخبار الدفاع والتسليح العالميه
0 «سي آي إيه» تحلل 13700 وثيقة عُثِر عليها في منزل «بن لادن»
«سي آي إيه» تحلل 13700 وثيقة عُثِر عليها في منزل «بن لادن»
`ذكرت موقع «العربية نت»، الخميس، أن مسؤولين كبار في جهاز
المخابرات الأمريكية «سي آي إيه»، يعكفون منذ أكثر من عام، مع نظرائهم في
الاستخبارات الباكستانية، على قراءة وتحليل أكثر من 13 ألف و700 وثيقة تم
العثور عليها في منزل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، وصودرت بعد قتله.
وقال الموقع الإخباري في تقريره، إن الأمريكيين وجدوا في منزل
«بن لادن» صيدًا ثمينًا «حيث تضمنت الوثائق التي تم ضبطها هناك مذكرات
شخصية كان يدوّنها (بن لادن) بشكل يومي، فضلاً عن العديد من المراسلات
والوثائق التي يبدو أنها ستكون مصدراً مهماً للمعلومات».
ونقلت «العربية» عن صحيفة «ناشيونال ترك» التركية، قولها إن
مصادر في باكستان كشفت عن أن من بين الوثائق التي ضبطها مسؤولون باكستانيون
ما يؤكد أن زعيم تنظيم القاعدة «دفع رشوة مقدارها 50 ألف روبية (500
دولار) لحساب مسؤولين باكستانيين من أجل بناء منزله الآمن في مدينة أبوت
أباد الباكستانية»، وهو نفس المنزل التي هاجمته قوة كوماندوز أمريكية وقتلت
«بن لادن» بداخله.
وقالت الصحيفة التركية إنه من «الفريد جداً في التاريخ» أن
يأخذ مسؤول حكومي رشوة مالية من المطلوب رقم واحد على مستوى العالم، إلا أن
الصحيفة لم تؤكد ما إذا كان المسؤول الحكومي الذي حصل على الرشوة كان يعرف
أن مصدرها «بن لادن»، أو أن المنزل كان سيُبنى لحساب زعيم تنظيم القاعدة.
وتشير الصحيفة إلى أن المسؤول الباكستاني الذي أخذ الرشوة من
«بن لادن» كان متجاهلاً تماماً شخصية دافع الرشوة، والتي دفعها «بن لادن»
مترافقة مع حصوله على إذن البناء.
وحصل «بن لادن» على رخصة من السلطات المحلية في مدينة أبوت
أباد لبناء منزل من ثلاثة طوابق، مع سور خارجي بارتفاع 14 قدماً، إضافة إلى
سياج حديدي حول المنزل.
وتقول المصادر الباكستانية إن أجهزة الأمن اعتقلت مسؤولين
محليين تلقوا رشوة «بن لادن» وحققت معهم، وأفادوا بأنهم لم يكونوا على علم
بالرجل، كما لم يتلقوا أية رشاوى من أجل منحه رخصة البناء في المدينة.
وتفتح هذه الوثائق الباب للكثير من المعلومات التي تتعلق
بزعيم تنظيم القاعدة وحياته الشخصية في السنوات الأخيرة، وكذلك بعض
التفاصيل المتعلقة بالتنظيم ومخططاته.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن وثائق تم ضبطها
في منزل «بن لادن» الذي اقتحمته القوات الأمريكية في 2 مايو 2011، ونفذت
فيه عملية عسكرية انتهت بمقتله، وذلك بعد مطاردته التي استمرت أكثر من 10
سنوات من قبل مختلف أجهزة الأمن في العالم.
العربيه نت .
0 صفحات من تاريخ المخابرات العامه المصريه ( السر الحقيقي )
صفحات من تاريخ المخابرات العامه المصريه
( السر الحقيقي )
انتصف عام 1973م أو كاد، وكل (مصر) تحيا فى توتر كامل، فبعد شعور مبهم بأن القيادة السياسية قد استمرأت حالة اللاسلم واللاحرب،
وارتاحت لاستقرار الأوضاع على الجبهة، بعد بناء حائط الصواريخ،
وإيقاف حرب الاستنزاف، وقبول مبادرة (روجرز)، وانشغال الرئيس
(السادات) بقضية الاستقرار على مقعد الحكم، وتأكيد وجوده، بعد
سنوات طوال، لم يكن المصريون يتصوَّرون خلالها أن شخصاً سوى
الزعيم الراحل (جمال عبد الناصر) يمكن أن يحتل منصب الرئيس،
ليقود
الشعب كله إلى الانتصار على العدو، الذى أذاقنا هزيمة مريرة، فى عام
1967م، راح يتباهى بها طوال الوقت، ويُعلن فى كل مناسبة، وبلا مناسبة، أنه
يمتلك جيشاً أسطورياً، لا يُقهر
أبداً..
ومن ناحية أخرى، بدت كل القيادات، السياسية والعسكرية هادئة
مسترخية بالفعل، وكأنَّما تؤكِّد ما يدور بأذهان الشعب، وتعمِّقه
اكثر وأكثر، مع كل أحاديثها، وتصريحاتها، التى اتَّسمت بالمسالمة، والابتعاد تماماً عن النبرة الصارمة أو الساخنة، أو حتى عن مناقشة القضايا الحاسمة، على الصعيد العسكرى..
ولكن تحت القناع الهادئ، كانت هناك صورة مختلفة تماماً..
صورة لبحر متلاطم، من النشاط والحيوية، وبركان ثائر تحت السطح،
تغلى حممه وتفور، استعداداً للانفجار العارم..
عندما تحين اللحظة المناسبة..
وهناك،
فى كوبرى القبة، وداخل مبنى المخابرات العامة المصرية، كان النشاط قد بلغ
ذروته، والتوتر تصاعد إلى قمته، مع بدء العد التنازلى، الذى لا يُدركه سوى
فئة محدودة، من أعلى القيادات، استعداداً للمواجهة الكبرى، والحرب الشاملة
المنتظرة...
وكانت أمام الرجال عشرات المشكلات والقضايا، التى تحتاج إلى تحرُّكات قوية متَّصلة، وحلول عاجلة مبتكرة، حتى يمكن تحقيق كل
الأهداف المطلوبة للمواجهة..
كان عليهم أن يُقنعوا العدو بأن (مصر) لا تُفكِّر مجرَّد تفكير، فى شن أية حروب، لا فى الوقت الحالى، ولا حتى فى المستقبل القريب..
وأن يخفوا كل أسرارهم عنه..
ويكشفوا كل ما يمكنهم من أسراره، فى الوقت ذاته..
وتحقيق هذه الأهداف كان يحتاج إلى كل الجهد..
وكل الوقت..
وكان أخطرها وأهمها، من وجهة نظر الكل، هو خطة الخداع الرئيسية.. لابد وأن يقتنع الإسرائيليون بما اقتنع به الشعب المصرى كله..
بحالة الركود، والسكون، واستمراء اللاسلم واللاحرب، وخوف القيادة السياسية والعسكرية من المواجهة المباشرة، بأية صورة من الصور..
وفى سبيل هذا، صنع الرجال عشرات المحاور والخيوط..
بحالة الركود، والسكون، واستمراء اللاسلم واللاحرب، وخوف القيادة السياسية والعسكرية من المواجهة المباشرة، بأية صورة من الصور..
وفى سبيل هذا، صنع الرجال عشرات المحاور والخيوط..
كل شئ تمت دراسته بمنتهى الدقة والعناية..
كميات المواد التموينية، ومعدلات استيرادها..
المخزون السلعى والاستراتيجى..
تحرُّكات وإجازات ضباط الجيش وجنوده..
وحتى ابتسامة الرئيس والوزراء وقادة الجيش، وصورهم فى المناسبات
الرسمية،
تمت دراستها، بحيث توحى بالهدوء والاسترخاء، حتى يتصوَّر العدو أن الترهل
قد أصاب القيادة، ولم تعد فكرة الحرب واردة فى الأذهان..
ولكن العدو أيضاً كان يعمل بنفس الهمة والنشاط؛ لكشف الحقائق،وتحديد المواقف والأهداف..
وكانت له عيونه، خارج (مصر) وداخلها..
ومن بين تلك العيون كان (خالد)..
شاب
فى الثلاثين من عمره، من أسرة متوسِّطة، مثل كل أو معظم الأسر المصرية، فى
ذلك الحين، والده مدير بإحدى المصالح الحكومية، وأمه ربة بيت بسيطة، ودخل
الأسرة يكفى بالكاد لحياة كريمة، دون فائض أو مدخرات، أو حاجة لمد الأيدى
للآخرين..
ولأن والده مصرى أصيل شريف، اعتاد ألا ينفق على أبنائه إلا من حلال، فقد ارتضى تلك الحياة، وبذل كل جهده، لتنشئة أبنائه الأربعة على الإيمان والكفاح والقناعة والشرف..
ومن المؤكِّد أنه قد أفلح فى هذا، مع ابنتيه، وطفله الصغير (آخر العنقود)..
ولكنه فشل تماماً مع الابن الأكبر (خالد)..
فمنذ حداثته، كان (خالد) متمِّرداً على هذه الحياة المتواضعة، وطامحاً للعيش فى رغد وثراء، مثل أولاد خاله التاجر بحى (الموسكى)، والذين يُقيمون فى المنزل المقابل لهم تماماً..
وعبثاً حاول والده إقناعه بأن الله (سبحانه وتعالى) قد جعل الناس فوق بعض درجات، وأنه أعلم بالسرائر وخفايا النفوس، وبأن المال يكون أحياناً مدخلاً إلى الفساد والفشل والضياع، وليس العكس..
ولكن (خالد) صمّ أذنيه تماماً، عن كل نصائح والده، وظلّ يحلم بالثراء ورغد العيش، بأية وسيلة ممكنة، شريفة أو غير شريفة..
ولكن الرياح لا تأتى دوماً بما تشتهى السفن..
لقد حاول، وحاول، وحاول، وسلك كل السُبل، ولكن رزقه ظلّ محدوداً،
يكفيه بالكاد للحد الأدنى من الرفاهية، مما لا يُشبع رغباته وطموحاته، أو يُحقَّق أحلامه وآماله وتطلعاته الطبقية..
حتى لاحت فرصة السفر إلى (إيطاليا)..
وعلى
الرغم من توسلات أبيه، ودموع أمه، وحزن أشقائه، تعلَّق (خالد) بأمل السفر،
واستخرج الجواز، وحصل على التصريح اللازم، واستقلّ أوَّل طائرة إلى
(روما)، مع صديق طموحاته وتطلعاته (عمر)..
وفى (روما)، لم يكن الحال بأفضل مما كان عليه فى (مصر)..
العمل شاق مرهق للغاية، والأجور قليلة ضعيفة إلى حد مستفز..
على الأقل، فى (مصر) كان يجد فراشاً يأويه، فى آخر الليل، دون أن يُنفق من أجله نصف ما عمل به طوال النهار..
وهكذا سارت الأحوال من سئ إلى أسوأ..
حتى كانت تلك الليلة..
انتهى من عمله الشاق مع (عمر)، فى وكالة للشحن والنقل، ثم خرجا معاً لقضاء السهرة فى بار صغير، فى الحى الشعبى الذى يُقيمان فيه..
وهناك التقيا بالسيد (عدنان)..
رجل شرقى الملامح، شامى الهيئة، بدا بحلته الفاخرة، والسيجار الضخم بين أصابعه، متناقضاً تماماً مع ذلك البار المتواضع الصغير، الذى
اكتظّ بالعمال والموظفين المرهقين، الذين يكتفون بخمر ردئ رخيص، وراقصة
تجاوزت شرخ الشباب، لتخطو أولى خطواتها نحو بئر الشيخوخة..
وبسرعة،
وبوسيلة لم يُدركها (خالد) أو (عمر)، وجدا نفسيهما ضيفين على مائدة
السيِّد (عدنان)، الذى بدا سعيداً للغاية لكونهما عربيين مصريين، وراح
يدعوهما لتناول كل ما يروق لهما، من طعام وشراب، على حسابه الخاص، بعد أن
اتَّضح لهما أنه يتردَّد على ذلك البار بصفة شبه مستديمة، وبصحبته دوماً
أجمل الفتيات، وأكثرهن حُسناً وفتنة..
وكان من الطبيعى، والحال هكذا، أن تتوطّد الصداقة بين (خالد) و(عمر)، والسيد (عدنان) السخى، ولكن هذا الأخير لم يلبث أن خصّ (خالد) باهتمامه الزائد وصداقته القوية، وخاصة بعد أن أدرك مدى ما يملأ نفسه من غضب وسخط ونقمة وكراهية، تجاه الوطن الذى أنجبه ورباه، وصنع منه شاباً يافعاً قوياً..
وما
هو إلا شهر واحد، حتى توقَّف السيِّد (عدنان) عن السهر فى ذلك البار
الردئ، ونقل سهراته إلى آخر أنيق، فى الشارع الرئيسى، فى منتصف العاصمة،
ونقل معه (خالد) وحده، من دون (عمر)..
وذات ليلة، سأله فى اهتمام :
- قل لى يا (خالد) : ألا تُفكر فى الحصول على عمل سهل، بدخل يبلغ خمسة أضعاف دخلك الحالى على الأقل؟!
هتف به (خالد) فى لهفة :
- دلنى عليه، وسأقبله فوراً بلا تردُّد.
تراجع (عدنان)، وسأله فى حذر:
- ألا يشغلك التساؤل عن نوعيته؟!
هزًّ (خالد) رأسه فى قوة، وهو يُجيب :
- إننى مستعد للقتل، فى سبيل مبلغ كهذا.
وهنا ابتسم (عدنان)، ورمقه بنظرة خاصة، وهو يقول:
- اطمئن.. الأمر لن يبلغ حد القتل.
ومع
بداية كهذه، كان من الطبيعى أن يتطوَّر الأمر فى سرعة، ليعلم (خالد) أن
السيِّد (عدنان) هذا ليس عربياً، ولكنه إسرائيلى، وأن المطلوب منه أن يعمل
لحساب المخابرات الإسرائيلية فى (مصر)..
ولقد قبل كل الشروط، دون اعتراض واحد، واختطف رزمة النقود، التى أعطاه إياها (عدنان)، بكل لهفة الدنيا، ووجهه يحمل ابتسامة كبيرة..
ابتسامة خائن..
ومن (عدنان)، انتقل الأمر إلى ضابط إسرائيلى، من جهاز (الموساد)، بدأ معه مرحلة تدريب وإعداد، استعداداً لعودته إلى (مصر)..
وفى أوائل عام 1971م، عاد (خالد) إلى (مصر)، فى حال غير الحال..
والعجيب
أنه لم يذهب لزيارة أسرته مباشرة، وإنَّما ذهب أوَّلاً لاستئجار شقة خاصة،
فى منطقة راقية، وتأثيثها بأفضل الأثاث، ووضع داخلها جهاز الراديو الأنيق،
الذى أحضره معه من (روما)..
ثم بدأت مرحلة الصداقات والارتباطات..
وفى تلك المرحلة فقط، ذهب لزيارة أسرته..
ولقد
استقبله الجميع بفرحة عارمة، وتصوَّروا أنه قد أتى من المطار إليهم
مباشرة، إلا أنه لم يحاول حتى التظاهر بهذا، وإنَّما أخبرهم بأمر وصوله،
وتأثيثه شقته، متعلَّلاً بأنه أراد مفاجأتهم بما وصل إليه، وبما أصبح عليه
حاله..
والواقع أنهم جميعاً قد انبهروا بشقته الجديدة، وموقعها، وأثاثها الفاخر..
فيما عدا والده..
هو وحده شعر بقلبه ينقبض، عندما خطا داخلها لأوَّل مرة، وأخبر زوجته، بعد عودتهم إلى منزلهم: أنه شديد القلق على ابنه..
أما
ذلك الابن، فقد راح يعمل بمنتهى الحماس والنشاط، لتحقيق الهدف من عودته،
فبدأ بجمع المعلومات، وإرسالها إلى عنوان حدَّده له ضابط المخابرات
الإسرائيلى فى (باريس)، ثم تطوَّر الأمر إلى استقبال التعليمات لاسلكياً،
واستخدام الحبر السرى..
وبعدها سافر (خالد) مرة أخرى إلى (روما)، فى نهاية عام 1971م،
ليحصل على دورة متقدِّمة، فى استخدام اللاسلكى، والتعامل
بالشفرة، وتصوير المستندات بآلة تصوير صغيرة للغاية..
وعاد (خالد) فى الشهر الثالث من عام 1972م، وقد تطوَّر دوره، وصار عليه أن يعمل لتجنيد آخرين، من فئات تم تحديدها بدقة..
وفى هذه المرحلة بالذات، انكشف أمر (خالد)..
وأدركت المخابرات العامة أنها تواجه جاسوساً إسرائيلياً خطيراً..
ولكن أحداً لم يُحاول إلقاء القبض عليه، أو كشف أمره..
ففى مثل هذه الظروف، يكون وجود أمثاله مفيداً جداً..
وخاصة عندما يُصبح تحت السيطرة التامة..
ومن خلال (خالد)، ودون أن يدرى هذا الأخير، راحت المخابرات المصرية تُرسل إلى الإسرائيليين كل ما تُريد أن تُقنعهم به..
وبأسلوب دقيق مدروس..
كومة من المعلومات الصحيحة بمنتهى الدقة، وبينها معلومة أو معلومتان، تكفيان لإفساد خط تحليل الموقف تماماً..
وفى
الوقت نفسه، تعرَّف (خالد)، بأسلوب بدا تلقائى وغير مقصود، على أحد الضباط
العاملين فى القيادة المشتركة للجيش، برتبة رائد، وتوطدت بينهما صداقة
عميقة، كان الجاسوس هو الساعى إليها بالطبع..
وفى
شقته الفاخرة، قضى (خالد) عدة سهرات مع الرائد، وراحا يتحدثان فى عشرات
الأمور، بحيث يمكنه استدراجه إلى الإفضاء بعدد من الأسرار العسكرية، على
نحو يبدو تلقائياً تماماً..
وطوال تسعة أشهر كاملة، لم يحصل (خالد) على معلومة واحدة خاطئة،
من الرائد (مصطفى)...
كلها
معلومات صحيحة وسليمة ودقيقة تماماً، على الرغم من أنها تُلقى بعشوائية،
وسط عشرات الأحاديث العادية، حتى أن المخابرات الإسرائيلية قد أبدت
ارتياحها الشديد لتلك الصداقة، وأوصت جاسوسها بالاستمرار فيها بحذر، ولكنها
رفضت تماماً اقتراح (خالد) بمحاولة تجنيد الرائد (مصطفى)؛ نظراً لأن
الأمور كانت تسير على ما يرام، ومحاولة التجنيد قد تُفسد كل شئ بلا داع..
وفى سبتمبر 1973م، كانت القيادة الإسرائيلية مقتنعة تماماً بأن (خالد) هذا أحد أفضل جواسيسها فى (مصر)، وأن الرائد (مصطفى) هو أفضل مصدر، دقيق للمعلومات العسكرية على الإطلاق، دون أن يدرى..
أو هكذا كانت تتصوَّر..
وهنا رأى الرجال أن اللحظة التى طال انتظارهم لها قد حانت..
وأن الهدف الرئيسى من زرع الرائد (مصطفى)، فى منزل وحياة (خالد)،
قد حان وقته، وأتى أوانه..
وفى واحدة من سهراتهما، فى نهاية سبتمبر 1973م، مال (مصطفى)على أذن (خالد)، وقال بلهجة رجل مخمور، لا يُدرك ما الذى يتفوّه به:
- هل تعلم أن القادة كلهم يخشون خوض حرب مع (إسرائيل)؟!
غمغم (خالد) فى حذر:
- كنت أتصوَّر العكس.
هزَّ الرائد (مصطفى) رأسه فى قوة، ثم تلفَّت حوله، وكأنَّما
يُحيط بهما جمع غفير، فى الشقة الخالية إلا منهما، وقال:
- هل أُخبرك بسر؟!
- سأله (خالد) فى اهتمام أكثر حذراً:
- وما هو؟!
مال نحوه مرة أخرى، قائلاً:
-
اليوم طالعت مذكرة سرية، مُرسلة من رئيس الجمهورية، إلى وزير الدفاع، يطلب
منه فيها دراسة إمكانية قيام القوات المسلحة بعملية محدودة، لتهدئة الرأى
العام، فى بدايات فبراير 1974م، بحيث لا تُثير غضب الإسرائيليين، إلى الحد
الذى يدفعهم للثأر بعملية عنيفة.
برقت عينا (خالد)، لسماع هذه المعلومات المذهلة، التى تحسم الكثير والكثير من القلق والتساؤلات الإسرائيلية، فى الآونة الأخيرة، فى حين تراجع الرائد (مصطفى)، ملوِّحاً بيده، ومتابعاً:
- هل رأيت خوفاً يفوق هذا؟!
وابتسم (خالد) دون تعليق..
وفى الليلة نفسها، بثّ هذه المعلومة بالشفرة إلى (إسرائيل)..
وفى قسم الاعتراض، بالمخابرات العامة المصرية، التقط الرجال رسالته، وعلت وجوههم ابتسامة واثقة، والرائد (مصطفى) يُغمغم:
- عظيم.. يبدو أن ما احتملته طويلاً سيؤتى ثماره الآن.
قالها بوقار وتركيز شديدين، لا يُشبهان قط لهجته المتهالكة، التى نقل بها السر الزائف للجاسوس..
وعندما بلغ الخبر الإسرائيليين، لم يكن لديهم سبب واحد لعدم الاعتقاد فى صحته..
كل الشواهد والدلائل، التى تم صنعها بدقة مدهشة، كانت تؤكِّده تماماً..
ثم إن الرائد (مصطفى) لم ينقل إلى (خالد) معلومة واحدة خاطئة قط..
وهكذا اطمأنت قلوبهم جميعاً..
وقلب الجاسوس (خالد) أيضاً..
حتى ظهر السادس من أكتوبر 1973م..
ففى تلك الساعة، انقضت النسور المصرية على الجيش الإسرائيلى..
وطرق صقور المخابرات العامة باب منزل الجاسوس..
ونال جزاءه العادل..
ومع
مرارة الهزيمة، وأمام حبل المشنقة، كشف الإسرائيليون وجاسوسهم سر الرائد
(مصطفى)، والجهاز القوى من خلفه، والشعب الذى لم يعتد أبداً الاستسلام
للهزائم..
السر المصرى..
اللهم يارب العرش الكريم فك كربي(أسألكم جميعا الدعاء لي بفك كربي )
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
المصدر : منتديات ياهووو
0 حقيقة _ أخطر جاسوس مصرى فى قلب الجيش الإسرائيلى
التسميات:
اخبار من اسرائيل,
اسرار,
الجاسوسيه
0 "سايكس بيكو" جديد يطبق في المنطقة العربية
الأربعاء، 6 مارس 2013
التسميات:
اخبارالدفاع والتسليح العالمي,
اسرار,
دراسات,
غرائب,
وثائقيات
"سايكس بيكو" جديد يطبق
في المنطقة العربية
04.03.2013 | 14:33 اخبار الشرق الاوسط
حجم الخط
"سايكس بيكو" جديد يطبق في المنطقة العربية
العراق وخطر السيناريو السوري
سورية.... بوابات الجحيم وبصيص الأمل
هاغل: الدعم الأمريكي للمعارضة السورية سينحصر في المساعدات غير
القاتلة
"لوفيغارو": قوات خاصة امريكية وغربية تدرب المعارضة المسلحة السورية
في الأردن
صالحي: سورية تواجه أزمة مفروضة عليها
ما هي حقيقة الخطط البريطانية في الشرق الأوسط
هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا العالم؟ وهل
يوجد من يفكر جديا في مسألة في غاية الأهمية،هي ماذا تريد إسرائيل؟ ومن
أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
الثورات العربية التي انطلقت في عام 2011 هي عمليات تاريخية لم يقدّر أحد
بعد نتائجها وعواقبها. لكنها من حيث شمولها وامتدادها تذكّر بتلك التي
انطلقت منذ قرن في 16 أيار 1916. نتائج تلك الثورة كانت تشرذم العالم
العربي وانقسامه إلى دويلات صغيرة مازالت قائمة إلى اليوم وفق اتفاق "سايكس
بيكو"، الذي وضع في لندن من قبل البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو
لتقاسم التركة العثمانية.
الاتفاق رسم خرائط منطقة الشرق الاوسط والحدود المستقبلية لبلدانها، وكان
الانكليز والفرنسيون حريصون على تغذية الطائفية ففصلوا لبنان عن سورية،
وفصلوا الموصل بسنتّه ومسيحييه عن حلب، وأبعدوا علويي اسكندرونة عن
اللاذقية، ووزعوا الأكراد على عدة دول، ووضعوا في فلسطين حجر الأساس لدولة
إسرائيل. هذا التقسيم الذي عاش قرنا من الزمن يترنح الآن. وإذا كانت
النتائج الأولية لزعزعة البناء القديم لاتبشر بالخير، أفلا يجب أن تدلّ
على وجود اتفاق استعماري جديد على نمط "سايكس بيكو"؟
سكان المنطقة ينفذون المشاريع الاستعمارية الجديدة بأنفسهم
بدأت زعزعة الاستقرار في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق. وبمرور عقد
تحولت واحدة من أقوى دول المنطقة إلى بلد ضعيف تتناحر فيه الطوائف، وساحة
لنفوذ دول إقليمية وتدخّل من قبل تركيا وايران والمملكة العربية السعودية.
في سورية حصل الأكراد نتيجة الأزمة على حكم ذاتي يستطيعون تطويره إلى
مايشبه الاستقلال الذي يتمتع به إخوانهم في العراق. وبذلت وتبذل جهود جبارة
لإثارة النعرات الطائفية بدأت تثمر دما بتحول الحرب الدائرة تدريجيا
لتصطبغ بالصبغة الطائفية.
الرئيس العراقي جلال طالباني قال مرة:"أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل
والنفط".
وقال برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق:"ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً
عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا".
الخرائط يعاد رسمها، وترسم خرائط جديدة للعالم كله عموما وللمنطقة العربية
خصوصا، وقد نشرت دراسات كثيرة حددت المشاريع وصورة التقسيم وشكل الدول
الجديدة التي ستظهر على خارطة الغد، لكن هذه المشاريع تختلف عن المشاريع
الاستعمارية القديمة بطريقة التنفيذ، هذه ينفذها سكان المنطقة بأنفسهم.
قليل من العمالة مع كثير من الجهل، وتجد المنطقة نفسها في براثن الطائفية
تغتسل بدمها.
لم يتغير شيئ، كما في الماضي يعمل مبدأ "فرق تسد"، والهدف هو تفكيك
العالمين العربي والإسلامي وتحويلهما إلى إمارات صغيرة، وقد وضع حجر الأساس
في هذا البناء، فسورية تمزقها حرب أهلية وعدد القتلى فيها حسب الأمم
المتحدة وصل إلى 70 ألف قتيل. وينعكس ذلك على لبنان في صراع يهدد بإشعال
حرب طائفية في المنطقة بأسرها.
السودان انقسم إلى سودانين ولم يفقد قدرته على الانقسام بعد. والعراق يبدي
الرغبة في التفكك. مصر وتونس في أزمة تقود تدريجيا إلى الاقتتال، والقبائل
الليبية تقتل بعضها. الجامعة العربية التي لاحول لها ولاقوة تشارك في
المعركة وإسرائيل تتفرج وتزداد قوة.
سلام أمريكا كما حروبها لصالح إسرائيل
كل تعامل الولايات المتحدة مع البلدان العربية كان سلسلة متواصلة من الضغوط
التي تخدم مصالح إسرائيل، ولهذا الغرض استخدمت مصطلحات الدول المارقة
والمنبوذة وتهمة تشجيع الإرهاب، بحق البلدان التي حاولت اتخاذ قرارات
لاتروق لإسرائيل. بالإرهاب اتهمت ليبيا وسوريا ومنظمة التحرير ولبنان،
والأردن والعراق وحتى السعودية. والبراءة من تهمة الإرهاب مرتبطة باستعداد
هذا البلد أو ذاك لتوقيع الاتفاق المناسب مع إسرائيل.
سورية وفق زائرها بيل كلينتون لم تكن تشجع الارهاب، وصارت مشجعة له بعد
يومين فقط، عندما عارضت الاتفاق الموقع بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بشأن
الحكم الذاتي.
تنتقل الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما الثانية من سياسةَ استخدام
القوة وعرض العضلات إلى سياسة الحوار، ويرى البعض في السياسة الأميركية
الراهنة حيال سورية دليلا آخر على الخيانة التي كثيرا ما رافقت علاقة
الولايات المتحدة بـأصدقائها.
وتغيرت اللهجة الأمريكية مع ايران أيضا، ولخّص وزير الخارجية الإيراني علي
أكبر صالحي ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان بقوله: "وصلت الأمور إلى منعطف،
وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة". وإن كانت محادثات آلما آتا
قد تعلَّقت بالملف النووي الإيراني، إلا أنها شكّلت بداية تغيّر في
العلاقات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
سبق وحصلت ايران حسب بعض المحللين على هدايا قيّمة من الرئيس السابق جورج
دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، ويقدر البعض أنها عازمة على
الاستفادة من رفض أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران مقرا بذلك لطهران
بدورها الإقليمي، وطهران لن تقلص هذا الدور في العراق وسورية ولبنان، وتبدو
واشنطن بصدد تلبية مطلب طهران الخاص بالملف النووي، كما بيّنت محادثات
كازاخستان.
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يعارض تسليح المعارضة السورية لأن هذا
يؤدي إلى "حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق"،
وبات واضحاً أن الحرب في العراق حققت إنجازات إقليمية لإيران وليس
للولايات المتحدة. وتفضل إدارة أوباما عدم رؤية المخاطر المحدقة بالعراق،
والتي وصفها المالكي بالحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، وهي رهن
بالتطورات على الساحة السورية.
منطقة الشرق الأوسط يعلو فيها صوت طبول الحرب بين السنّة والشيعة، ويراها
كثير من المراقبين حربا بالنيابة عن ايران ودول خليجية، ساحتها الشرق
الأوسط انطلاقاً من سورية. حرب هي ذاتها التي يخوضها الجهاديون أينما وجدوا
تربة خصبة، تهدد كل منطقة يكون لإيران فيها نفوذ. ولكن لماذا يصرّ البعض
على رؤية المؤامرة الايرانية في كل مكان؟ ألا تصب هذه الرؤية الماء على
طاحونة المؤامرة الغربية؟ ومتى كانت الولايات المتحدة بريئة من إشعال
الحروب الطائفية؟ وأين هو دور إسرائيل في هذه المعادلة؟
وسؤال أخير: هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا
العالم؟ وهل يوجد من يفكر جديا في مسألة هي في غاية الأهمية، ماذا تريد
إسرائيل؟ ومن أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
رائد كشكية
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
لمن يهمه الامر
"سايكس بيكو" جديد يطبق في المنطقة العربية
ما هي حقيقة الخطط البريطانية في الشرق الأوسط
هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا العالم؟ وهل
يوجد من يفكر جديا في مسألة في غاية الأهمية،هي ماذا تريد إسرائيل؟ ومن
أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
الثورات العربية التي انطلقت في عام 2011 هي عمليات تاريخية لم يقدّر أحد
بعد نتائجها وعواقبها. لكنها من حيث شمولها وامتدادها تذكّر بتلك التي
انطلقت منذ قرن في 16 أيار 1916. نتائج تلك الثورة كانت تشرذم العالم
العربي وانقسامه إلى دويلات صغيرة مازالت قائمة إلى اليوم وفق اتفاق "سايكس
بيكو"، الذي وضع في لندن من قبل البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو
لتقاسم التركة العثمانية.
الاتفاق رسم خرائط منطقة الشرق الاوسط والحدود المستقبلية لبلدانها، وكان
الانكليز والفرنسيون حريصون على تغذية الطائفية ففصلوا لبنان عن سورية،
وفصلوا الموصل بسنتّه ومسيحييه عن حلب، وأبعدوا علويي اسكندرونة عن
اللاذقية، ووزعوا الأكراد على عدة دول، ووضعوا في فلسطين حجر الأساس لدولة
إسرائيل. هذا التقسيم الذي عاش قرنا من الزمن يترنح الآن. وإذا كانت
النتائج الأولية لزعزعة البناء القديم لاتبشر بالخير، أفلا يجب أن تدلّ
على وجود اتفاق استعماري جديد على نمط "سايكس بيكو"؟
سكان المنطقة ينفذون المشاريع الاستعمارية الجديدة بأنفسهم
بدأت زعزعة الاستقرار في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق. وبمرور عقد
تحولت واحدة من أقوى دول المنطقة إلى بلد ضعيف تتناحر فيه الطوائف، وساحة
لنفوذ دول إقليمية وتدخّل من قبل تركيا وايران والمملكة العربية السعودية.
في سورية حصل الأكراد نتيجة الأزمة على حكم ذاتي يستطيعون تطويره إلى
مايشبه الاستقلال الذي يتمتع به إخوانهم في العراق.
وبذلت وتبذل جهود جبارة
لإثارة النعرات الطائفية بدأت تثمر دما بتحول الحرب الدائرة تدريجيا
لتصطبغ بالصبغة الطائفية.
الرئيس العراقي جلال طالباني قال مرة:"أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل
والنفط".
وقال برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق:"ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً
عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا".
الخرائط يعاد رسمها، وترسم خرائط جديدة للعالم كله عموما وللمنطقة العربية
خصوصا، وقد نشرت دراسات كثيرة حددت المشاريع وصورة التقسيم وشكل الدول
الجديدة التي ستظهر على خارطة الغد، لكن هذه المشاريع تختلف عن المشاريع
الاستعمارية القديمة بطريقة التنفيذ، هذه ينفذها سكان المنطقة بأنفسهم.
قليل من العمالة مع كثير من الجهل، وتجد المنطقة نفسها في براثن الطائفية
تغتسل بدمها.
لم يتغير شيئ، كما في الماضي يعمل مبدأ "فرق تسد"، والهدف هو تفكيك
العالمين العربي والإسلامي وتحويلهما إلى إمارات صغيرة، وقد وضع حجر الأساس
في هذا البناء، فسورية تمزقها حرب أهلية وعدد القتلى فيها حسب الأمم
المتحدة وصل إلى 70 ألف قتيل.
اخبار الجيش المصري والتسليح والصفقات العسكريه والحربيه العربيه والعالميه.
وينعكس ذلك على لبنان في صراع يهدد بإشعال
حرب طائفية في المنطقة بأسرها.
السودان انقسم إلى سودانين ولم يفقد قدرته على الانقسام بعد. والعراق يبدي
الرغبة في التفكك. مصر وتونس في أزمة تقود تدريجيا إلى الاقتتال، والقبائل
الليبية تقتل بعضها. الجامعة العربية التي لاحول لها ولاقوة تشارك في
المعركة وإسرائيل تتفرج وتزداد قوة.
سلام أمريكا كما حروبها لصالح إسرائيل
كل تعامل الولايات المتحدة مع البلدان العربية كان سلسلة متواصلة من الضغوط
التي تخدم مصالح إسرائيل، ولهذا الغرض استخدمت مصطلحات الدول المارقة
والمنبوذة وتهمة تشجيع الإرهاب، بحق البلدان التي حاولت اتخاذ قرارات
لاتروق لإسرائيل. بالإرهاب اتهمت ليبيا وسوريا ومنظمة التحرير ولبنان،
والأردن والعراق وحتى السعودية. والبراءة من تهمة الإرهاب مرتبطة باستعداد
هذا البلد أو ذاك لتوقيع الاتفاق المناسب مع إسرائيل.
سورية وفق زائرها بيل كلينتون لم تكن تشجع الارهاب، وصارت مشجعة له بعد
يومين فقط، عندما عارضت الاتفاق الموقع بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بشأن
الحكم الذاتي.
تنتقل الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما الثانية من سياسةَ استخدام
القوة وعرض العضلات إلى سياسة الحوار، ويرى البعض في السياسة الأميركية
الراهنة حيال سورية دليلا آخر على الخيانة التي كثيرا ما رافقت علاقة
الولايات المتحدة بـأصدقائها.
وتغيرت اللهجة الأمريكية مع ايران أيضا، ولخّص وزير الخارجية الإيراني علي
أكبر صالحي ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان بقوله: "وصلت الأمور إلى منعطف،
وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة". وإن كانت محادثات آلما آتا
قد تعلَّقت بالملف النووي الإيراني، إلا أنها شكّلت بداية تغيّر في
العلاقات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
سبق وحصلت ايران حسب بعض المحللين على هدايا قيّمة من الرئيس السابق جورج
دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، ويقدر البعض أنها عازمة على
الاستفادة من رفض أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران مقرا بذلك لطهران
بدورها الإقليمي، وطهران لن تقلص هذا الدور في العراق وسورية ولبنان، وتبدو
واشنطن بصدد تلبية مطلب طهران الخاص بالملف النووي، كما بيّنت محادثات
كازاخستان.
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يعارض تسليح المعارضة السورية لأن هذا
يؤدي إلى "حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق"،
وبات واضحاً أن الحرب في العراق حققت إنجازات إقليمية لإيران وليس
للولايات المتحدة. وتفضل إدارة أوباما عدم رؤية المخاطر المحدقة بالعراق،
والتي وصفها المالكي بالحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، وهي رهن
بالتطورات على الساحة السورية.
منطقة الشرق الأوسط يعلو فيها صوت طبول الحرب بين السنّة والشيعة، ويراها
كثير من المراقبين حربا بالنيابة عن ايران ودول خليجية، ساحتها الشرق
الأوسط انطلاقاً من سورية. حرب هي ذاتها التي يخوضها الجهاديون أينما وجدوا
تربة خصبة، تهدد كل منطقة يكون لإيران فيها نفوذ. ولكن لماذا يصرّ البعض
على رؤية المؤامرة الايرانية في كل مكان؟ ألا تصب هذه الرؤية الماء على
طاحونة المؤامرة الغربية؟ ومتى كانت الولايات المتحدة بريئة من إشعال
الحروب الطائفية؟ وأين هو دور إسرائيل في هذه المعادلة؟
وسؤال أخير: هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا
العالم؟ وهل يوجد من يفكر جديا في مسألة هي في غاية الأهمية، ماذا تريد
إسرائيل؟ ومن أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
رائد كشكية
> المقاله من روسيا اليوم <
اخبار الجيش المصري والتسليح والصفقات العسكريه والحربيه العربيه والعالميه.
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
"سايكس بيكو" جديد يطبق
في المنطقة العربية
04.03.2013 | 14:33 اخبار الشرق الاوسط
حجم الخط
"سايكس بيكو" جديد يطبق في المنطقة العربية
العراق وخطر السيناريو السوري
سورية.... بوابات الجحيم وبصيص الأمل
هاغل: الدعم الأمريكي للمعارضة السورية سينحصر في المساعدات غير
القاتلة
"لوفيغارو": قوات خاصة امريكية وغربية تدرب المعارضة المسلحة السورية
في الأردن
صالحي: سورية تواجه أزمة مفروضة عليها
ما هي حقيقة الخطط البريطانية في الشرق الأوسط
هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا العالم؟ وهل
يوجد من يفكر جديا في مسألة في غاية الأهمية،هي ماذا تريد إسرائيل؟ ومن
أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
الثورات العربية التي انطلقت في عام 2011 هي عمليات تاريخية لم يقدّر أحد
بعد نتائجها وعواقبها. لكنها من حيث شمولها وامتدادها تذكّر بتلك التي
انطلقت منذ قرن في 16 أيار 1916. نتائج تلك الثورة كانت تشرذم العالم
العربي وانقسامه إلى دويلات صغيرة مازالت قائمة إلى اليوم وفق اتفاق "سايكس
بيكو"، الذي وضع في لندن من قبل البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو
لتقاسم التركة العثمانية.
الاتفاق رسم خرائط منطقة الشرق الاوسط والحدود المستقبلية لبلدانها، وكان
الانكليز والفرنسيون حريصون على تغذية الطائفية ففصلوا لبنان عن سورية،
وفصلوا الموصل بسنتّه ومسيحييه عن حلب، وأبعدوا علويي اسكندرونة عن
اللاذقية، ووزعوا الأكراد على عدة دول، ووضعوا في فلسطين حجر الأساس لدولة
إسرائيل. هذا التقسيم الذي عاش قرنا من الزمن يترنح الآن. وإذا كانت
النتائج الأولية لزعزعة البناء القديم لاتبشر بالخير، أفلا يجب أن تدلّ
على وجود اتفاق استعماري جديد على نمط "سايكس بيكو"؟
سكان المنطقة ينفذون المشاريع الاستعمارية الجديدة بأنفسهم
بدأت زعزعة الاستقرار في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق. وبمرور عقد
تحولت واحدة من أقوى دول المنطقة إلى بلد ضعيف تتناحر فيه الطوائف، وساحة
لنفوذ دول إقليمية وتدخّل من قبل تركيا وايران والمملكة العربية السعودية.
في سورية حصل الأكراد نتيجة الأزمة على حكم ذاتي يستطيعون تطويره إلى
مايشبه الاستقلال الذي يتمتع به إخوانهم في العراق. وبذلت وتبذل جهود جبارة
لإثارة النعرات الطائفية بدأت تثمر دما بتحول الحرب الدائرة تدريجيا
لتصطبغ بالصبغة الطائفية.
الرئيس العراقي جلال طالباني قال مرة:"أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل
والنفط".
وقال برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق:"ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً
عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا".
الخرائط يعاد رسمها، وترسم خرائط جديدة للعالم كله عموما وللمنطقة العربية
خصوصا، وقد نشرت دراسات كثيرة حددت المشاريع وصورة التقسيم وشكل الدول
الجديدة التي ستظهر على خارطة الغد، لكن هذه المشاريع تختلف عن المشاريع
الاستعمارية القديمة بطريقة التنفيذ، هذه ينفذها سكان المنطقة بأنفسهم.
قليل من العمالة مع كثير من الجهل، وتجد المنطقة نفسها في براثن الطائفية
تغتسل بدمها.
لم يتغير شيئ، كما في الماضي يعمل مبدأ "فرق تسد"، والهدف هو تفكيك
العالمين العربي والإسلامي وتحويلهما إلى إمارات صغيرة، وقد وضع حجر الأساس
في هذا البناء، فسورية تمزقها حرب أهلية وعدد القتلى فيها حسب الأمم
المتحدة وصل إلى 70 ألف قتيل. وينعكس ذلك على لبنان في صراع يهدد بإشعال
حرب طائفية في المنطقة بأسرها.
السودان انقسم إلى سودانين ولم يفقد قدرته على الانقسام بعد. والعراق يبدي
الرغبة في التفكك. مصر وتونس في أزمة تقود تدريجيا إلى الاقتتال، والقبائل
الليبية تقتل بعضها. الجامعة العربية التي لاحول لها ولاقوة تشارك في
المعركة وإسرائيل تتفرج وتزداد قوة.
سلام أمريكا كما حروبها لصالح إسرائيل
كل تعامل الولايات المتحدة مع البلدان العربية كان سلسلة متواصلة من الضغوط
التي تخدم مصالح إسرائيل، ولهذا الغرض استخدمت مصطلحات الدول المارقة
والمنبوذة وتهمة تشجيع الإرهاب، بحق البلدان التي حاولت اتخاذ قرارات
لاتروق لإسرائيل. بالإرهاب اتهمت ليبيا وسوريا ومنظمة التحرير ولبنان،
والأردن والعراق وحتى السعودية. والبراءة من تهمة الإرهاب مرتبطة باستعداد
هذا البلد أو ذاك لتوقيع الاتفاق المناسب مع إسرائيل.
سورية وفق زائرها بيل كلينتون لم تكن تشجع الارهاب، وصارت مشجعة له بعد
يومين فقط، عندما عارضت الاتفاق الموقع بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بشأن
الحكم الذاتي.
تنتقل الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما الثانية من سياسةَ استخدام
القوة وعرض العضلات إلى سياسة الحوار، ويرى البعض في السياسة الأميركية
الراهنة حيال سورية دليلا آخر على الخيانة التي كثيرا ما رافقت علاقة
الولايات المتحدة بـأصدقائها.
وتغيرت اللهجة الأمريكية مع ايران أيضا، ولخّص وزير الخارجية الإيراني علي
أكبر صالحي ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان بقوله: "وصلت الأمور إلى منعطف،
وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة". وإن كانت محادثات آلما آتا
قد تعلَّقت بالملف النووي الإيراني، إلا أنها شكّلت بداية تغيّر في
العلاقات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
سبق وحصلت ايران حسب بعض المحللين على هدايا قيّمة من الرئيس السابق جورج
دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، ويقدر البعض أنها عازمة على
الاستفادة من رفض أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران مقرا بذلك لطهران
بدورها الإقليمي، وطهران لن تقلص هذا الدور في العراق وسورية ولبنان، وتبدو
واشنطن بصدد تلبية مطلب طهران الخاص بالملف النووي، كما بيّنت محادثات
كازاخستان.
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يعارض تسليح المعارضة السورية لأن هذا
يؤدي إلى "حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق"،
وبات واضحاً أن الحرب في العراق حققت إنجازات إقليمية لإيران وليس
للولايات المتحدة. وتفضل إدارة أوباما عدم رؤية المخاطر المحدقة بالعراق،
والتي وصفها المالكي بالحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، وهي رهن
بالتطورات على الساحة السورية.
منطقة الشرق الأوسط يعلو فيها صوت طبول الحرب بين السنّة والشيعة، ويراها
كثير من المراقبين حربا بالنيابة عن ايران ودول خليجية، ساحتها الشرق
الأوسط انطلاقاً من سورية. حرب هي ذاتها التي يخوضها الجهاديون أينما وجدوا
تربة خصبة، تهدد كل منطقة يكون لإيران فيها نفوذ. ولكن لماذا يصرّ البعض
على رؤية المؤامرة الايرانية في كل مكان؟ ألا تصب هذه الرؤية الماء على
طاحونة المؤامرة الغربية؟ ومتى كانت الولايات المتحدة بريئة من إشعال
الحروب الطائفية؟ وأين هو دور إسرائيل في هذه المعادلة؟
وسؤال أخير: هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا
العالم؟ وهل يوجد من يفكر جديا في مسألة هي في غاية الأهمية، ماذا تريد
إسرائيل؟ ومن أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
رائد كشكية
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
"سايكس بيكو" جديد يطبق
في المنطقة العربية
04.03.2013 | 14:33 اخبار الشرق الاوسط
حجم الخط
"سايكس بيكو" جديد يطبق في المنطقة العربية
العراق وخطر السيناريو السوري
سورية.... بوابات الجحيم وبصيص الأمل
هاغل: الدعم الأمريكي للمعارضة السورية سينحصر في المساعدات غير
القاتلة
"لوفيغارو": قوات خاصة امريكية وغربية تدرب المعارضة المسلحة السورية
في الأردن
صالحي: سورية تواجه أزمة مفروضة عليها
ما هي حقيقة الخطط البريطانية في الشرق الأوسط
هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا العالم؟ وهل
يوجد من يفكر جديا في مسألة في غاية الأهمية،هي ماذا تريد إسرائيل؟ ومن
أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
الثورات العربية التي انطلقت في عام 2011 هي عمليات تاريخية لم يقدّر أحد
بعد نتائجها وعواقبها. لكنها من حيث شمولها وامتدادها تذكّر بتلك التي
انطلقت منذ قرن في 16 أيار 1916. نتائج تلك الثورة كانت تشرذم العالم
العربي وانقسامه إلى دويلات صغيرة مازالت قائمة إلى اليوم وفق اتفاق "سايكس
بيكو"، الذي وضع في لندن من قبل البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو
لتقاسم التركة العثمانية.
الاتفاق رسم خرائط منطقة الشرق الاوسط والحدود المستقبلية لبلدانها، وكان
الانكليز والفرنسيون حريصون على تغذية الطائفية ففصلوا لبنان عن سورية،
وفصلوا الموصل بسنتّه ومسيحييه عن حلب، وأبعدوا علويي اسكندرونة عن
اللاذقية، ووزعوا الأكراد على عدة دول، ووضعوا في فلسطين حجر الأساس لدولة
إسرائيل. هذا التقسيم الذي عاش قرنا من الزمن يترنح الآن. وإذا كانت
النتائج الأولية لزعزعة البناء القديم لاتبشر بالخير، أفلا يجب أن تدلّ
على وجود اتفاق استعماري جديد على نمط "سايكس بيكو"؟
سكان المنطقة ينفذون المشاريع الاستعمارية الجديدة بأنفسهم
بدأت زعزعة الاستقرار في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق. وبمرور عقد
تحولت واحدة من أقوى دول المنطقة إلى بلد ضعيف تتناحر فيه الطوائف، وساحة
لنفوذ دول إقليمية وتدخّل من قبل تركيا وايران والمملكة العربية السعودية.
في سورية حصل الأكراد نتيجة الأزمة على حكم ذاتي يستطيعون تطويره إلى
مايشبه الاستقلال الذي يتمتع به إخوانهم في العراق. وبذلت وتبذل جهود جبارة
لإثارة النعرات الطائفية بدأت تثمر دما بتحول الحرب الدائرة تدريجيا
لتصطبغ بالصبغة الطائفية.
الرئيس العراقي جلال طالباني قال مرة:"أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل
والنفط".
وقال برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق:"ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً
عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا".
الخرائط يعاد رسمها، وترسم خرائط جديدة للعالم كله عموما وللمنطقة العربية
خصوصا، وقد نشرت دراسات كثيرة حددت المشاريع وصورة التقسيم وشكل الدول
الجديدة التي ستظهر على خارطة الغد، لكن هذه المشاريع تختلف عن المشاريع
الاستعمارية القديمة بطريقة التنفيذ، هذه ينفذها سكان المنطقة بأنفسهم.
قليل من العمالة مع كثير من الجهل، وتجد المنطقة نفسها في براثن الطائفية
تغتسل بدمها.
لم يتغير شيئ، كما في الماضي يعمل مبدأ "فرق تسد"، والهدف هو تفكيك
العالمين العربي والإسلامي وتحويلهما إلى إمارات صغيرة، وقد وضع حجر الأساس
في هذا البناء، فسورية تمزقها حرب أهلية وعدد القتلى فيها حسب الأمم
المتحدة وصل إلى 70 ألف قتيل. وينعكس ذلك على لبنان في صراع يهدد بإشعال
حرب طائفية في المنطقة بأسرها.
السودان انقسم إلى سودانين ولم يفقد قدرته على الانقسام بعد. والعراق يبدي
الرغبة في التفكك. مصر وتونس في أزمة تقود تدريجيا إلى الاقتتال، والقبائل
الليبية تقتل بعضها. الجامعة العربية التي لاحول لها ولاقوة تشارك في
المعركة وإسرائيل تتفرج وتزداد قوة.
سلام أمريكا كما حروبها لصالح إسرائيل
كل تعامل الولايات المتحدة مع البلدان العربية كان سلسلة متواصلة من الضغوط
التي تخدم مصالح إسرائيل، ولهذا الغرض استخدمت مصطلحات الدول المارقة
والمنبوذة وتهمة تشجيع الإرهاب، بحق البلدان التي حاولت اتخاذ قرارات
لاتروق لإسرائيل. بالإرهاب اتهمت ليبيا وسوريا ومنظمة التحرير ولبنان،
والأردن والعراق وحتى السعودية. والبراءة من تهمة الإرهاب مرتبطة باستعداد
هذا البلد أو ذاك لتوقيع الاتفاق المناسب مع إسرائيل.
سورية وفق زائرها بيل كلينتون لم تكن تشجع الارهاب، وصارت مشجعة له بعد
يومين فقط، عندما عارضت الاتفاق الموقع بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بشأن
الحكم الذاتي.
تنتقل الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما الثانية من سياسةَ استخدام
القوة وعرض العضلات إلى سياسة الحوار، ويرى البعض في السياسة الأميركية
الراهنة حيال سورية دليلا آخر على الخيانة التي كثيرا ما رافقت علاقة
الولايات المتحدة بـأصدقائها.
وتغيرت اللهجة الأمريكية مع ايران أيضا، ولخّص وزير الخارجية الإيراني علي
أكبر صالحي ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان بقوله: "وصلت الأمور إلى منعطف،
وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة". وإن كانت محادثات آلما آتا
قد تعلَّقت بالملف النووي الإيراني، إلا أنها شكّلت بداية تغيّر في
العلاقات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
سبق وحصلت ايران حسب بعض المحللين على هدايا قيّمة من الرئيس السابق جورج
دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، ويقدر البعض أنها عازمة على
الاستفادة من رفض أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران مقرا بذلك لطهران
بدورها الإقليمي، وطهران لن تقلص هذا الدور في العراق وسورية ولبنان، وتبدو
واشنطن بصدد تلبية مطلب طهران الخاص بالملف النووي، كما بيّنت محادثات
كازاخستان.
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يعارض تسليح المعارضة السورية لأن هذا
يؤدي إلى "حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق"،
وبات واضحاً أن الحرب في العراق حققت إنجازات إقليمية لإيران وليس
للولايات المتحدة. وتفضل إدارة أوباما عدم رؤية المخاطر المحدقة بالعراق،
والتي وصفها المالكي بالحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، وهي رهن
بالتطورات على الساحة السورية.
منطقة الشرق الأوسط يعلو فيها صوت طبول الحرب بين السنّة والشيعة، ويراها
كثير من المراقبين حربا بالنيابة عن ايران ودول خليجية، ساحتها الشرق
الأوسط انطلاقاً من سورية. حرب هي ذاتها التي يخوضها الجهاديون أينما وجدوا
تربة خصبة، تهدد كل منطقة يكون لإيران فيها نفوذ. ولكن لماذا يصرّ البعض
على رؤية المؤامرة الايرانية في كل مكان؟ ألا تصب هذه الرؤية الماء على
طاحونة المؤامرة الغربية؟ ومتى كانت الولايات المتحدة بريئة من إشعال
الحروب الطائفية؟ وأين هو دور إسرائيل في هذه المعادلة؟
وسؤال أخير: هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا
العالم؟ وهل يوجد من يفكر جديا في مسألة هي في غاية الأهمية، ماذا تريد
إسرائيل؟ ومن أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
رائد كشكية
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
"سايكس بيكو" جديد يطبق
في المنطقة العربية
04.03.2013 | 14:33 اخبار الشرق الاوسط
حجم الخط
"سايكس بيكو" جديد يطبق في المنطقة العربية
العراق وخطر السيناريو السوري
سورية.... بوابات الجحيم وبصيص الأمل
هاغل: الدعم الأمريكي للمعارضة السورية سينحصر في المساعدات غير
القاتلة
"لوفيغارو": قوات خاصة امريكية وغربية تدرب المعارضة المسلحة السورية
في الأردن
صالحي: سورية تواجه أزمة مفروضة عليها
ما هي حقيقة الخطط البريطانية في الشرق الأوسط
هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا العالم؟ وهل
يوجد من يفكر جديا في مسألة في غاية الأهمية،هي ماذا تريد إسرائيل؟ ومن
أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
الثورات العربية التي انطلقت في عام 2011 هي عمليات تاريخية لم يقدّر أحد
بعد نتائجها وعواقبها. لكنها من حيث شمولها وامتدادها تذكّر بتلك التي
انطلقت منذ قرن في 16 أيار 1916. نتائج تلك الثورة كانت تشرذم العالم
العربي وانقسامه إلى دويلات صغيرة مازالت قائمة إلى اليوم وفق اتفاق "سايكس
بيكو"، الذي وضع في لندن من قبل البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو
لتقاسم التركة العثمانية.
الاتفاق رسم خرائط منطقة الشرق الاوسط والحدود المستقبلية لبلدانها، وكان
الانكليز والفرنسيون حريصون على تغذية الطائفية ففصلوا لبنان عن سورية،
وفصلوا الموصل بسنتّه ومسيحييه عن حلب، وأبعدوا علويي اسكندرونة عن
اللاذقية، ووزعوا الأكراد على عدة دول، ووضعوا في فلسطين حجر الأساس لدولة
إسرائيل. هذا التقسيم الذي عاش قرنا من الزمن يترنح الآن. وإذا كانت
النتائج الأولية لزعزعة البناء القديم لاتبشر بالخير، أفلا يجب أن تدلّ
على وجود اتفاق استعماري جديد على نمط "سايكس بيكو"؟
سكان المنطقة ينفذون المشاريع الاستعمارية الجديدة بأنفسهم
بدأت زعزعة الاستقرار في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق. وبمرور عقد
تحولت واحدة من أقوى دول المنطقة إلى بلد ضعيف تتناحر فيه الطوائف، وساحة
لنفوذ دول إقليمية وتدخّل من قبل تركيا وايران والمملكة العربية السعودية.
في سورية حصل الأكراد نتيجة الأزمة على حكم ذاتي يستطيعون تطويره إلى
مايشبه الاستقلال الذي يتمتع به إخوانهم في العراق. وبذلت وتبذل جهود جبارة
لإثارة النعرات الطائفية بدأت تثمر دما بتحول الحرب الدائرة تدريجيا
لتصطبغ بالصبغة الطائفية.
الرئيس العراقي جلال طالباني قال مرة:"أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل
والنفط".
وقال برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق:"ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً
عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا".
الخرائط يعاد رسمها، وترسم خرائط جديدة للعالم كله عموما وللمنطقة العربية
خصوصا، وقد نشرت دراسات كثيرة حددت المشاريع وصورة التقسيم وشكل الدول
الجديدة التي ستظهر على خارطة الغد، لكن هذه المشاريع تختلف عن المشاريع
الاستعمارية القديمة بطريقة التنفيذ، هذه ينفذها سكان المنطقة بأنفسهم.
قليل من العمالة مع كثير من الجهل، وتجد المنطقة نفسها في براثن الطائفية
تغتسل بدمها.
لم يتغير شيئ، كما في الماضي يعمل مبدأ "فرق تسد"، والهدف هو تفكيك
العالمين العربي والإسلامي وتحويلهما إلى إمارات صغيرة، وقد وضع حجر الأساس
في هذا البناء، فسورية تمزقها حرب أهلية وعدد القتلى فيها حسب الأمم
المتحدة وصل إلى 70 ألف قتيل. وينعكس ذلك على لبنان في صراع يهدد بإشعال
حرب طائفية في المنطقة بأسرها.
السودان انقسم إلى سودانين ولم يفقد قدرته على الانقسام بعد. والعراق يبدي
الرغبة في التفكك. مصر وتونس في أزمة تقود تدريجيا إلى الاقتتال، والقبائل
الليبية تقتل بعضها. الجامعة العربية التي لاحول لها ولاقوة تشارك في
المعركة وإسرائيل تتفرج وتزداد قوة.
سلام أمريكا كما حروبها لصالح إسرائيل
كل تعامل الولايات المتحدة مع البلدان العربية كان سلسلة متواصلة من الضغوط
التي تخدم مصالح إسرائيل، ولهذا الغرض استخدمت مصطلحات الدول المارقة
والمنبوذة وتهمة تشجيع الإرهاب، بحق البلدان التي حاولت اتخاذ قرارات
لاتروق لإسرائيل. بالإرهاب اتهمت ليبيا وسوريا ومنظمة التحرير ولبنان،
والأردن والعراق وحتى السعودية. والبراءة من تهمة الإرهاب مرتبطة باستعداد
هذا البلد أو ذاك لتوقيع الاتفاق المناسب مع إسرائيل.
سورية وفق زائرها بيل كلينتون لم تكن تشجع الارهاب، وصارت مشجعة له بعد
يومين فقط، عندما عارضت الاتفاق الموقع بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بشأن
الحكم الذاتي.
تنتقل الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما الثانية من سياسةَ استخدام
القوة وعرض العضلات إلى سياسة الحوار، ويرى البعض في السياسة الأميركية
الراهنة حيال سورية دليلا آخر على الخيانة التي كثيرا ما رافقت علاقة
الولايات المتحدة بـأصدقائها.
وتغيرت اللهجة الأمريكية مع ايران أيضا، ولخّص وزير الخارجية الإيراني علي
أكبر صالحي ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان بقوله: "وصلت الأمور إلى منعطف،
وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة". وإن كانت محادثات آلما آتا
قد تعلَّقت بالملف النووي الإيراني، إلا أنها شكّلت بداية تغيّر في
العلاقات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
سبق وحصلت ايران حسب بعض المحللين على هدايا قيّمة من الرئيس السابق جورج
دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، ويقدر البعض أنها عازمة على
الاستفادة من رفض أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران مقرا بذلك لطهران
بدورها الإقليمي، وطهران لن تقلص هذا الدور في العراق وسورية ولبنان، وتبدو
واشنطن بصدد تلبية مطلب طهران الخاص بالملف النووي، كما بيّنت محادثات
كازاخستان.
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يعارض تسليح المعارضة السورية لأن هذا
يؤدي إلى "حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق"،
وبات واضحاً أن الحرب في العراق حققت إنجازات إقليمية لإيران وليس
للولايات المتحدة. وتفضل إدارة أوباما عدم رؤية المخاطر المحدقة بالعراق،
والتي وصفها المالكي بالحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، وهي رهن
بالتطورات على الساحة السورية.
منطقة الشرق الأوسط يعلو فيها صوت طبول الحرب بين السنّة والشيعة، ويراها
كثير من المراقبين حربا بالنيابة عن ايران ودول خليجية، ساحتها الشرق
الأوسط انطلاقاً من سورية. حرب هي ذاتها التي يخوضها الجهاديون أينما وجدوا
تربة خصبة، تهدد كل منطقة يكون لإيران فيها نفوذ. ولكن لماذا يصرّ البعض
على رؤية المؤامرة الايرانية في كل مكان؟ ألا تصب هذه الرؤية الماء على
طاحونة المؤامرة الغربية؟ ومتى كانت الولايات المتحدة بريئة من إشعال
الحروب الطائفية؟ وأين هو دور إسرائيل في هذه المعادلة؟
وسؤال أخير: هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا
العالم؟ وهل يوجد من يفكر جديا في مسألة هي في غاية الأهمية، ماذا تريد
إسرائيل؟ ومن أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
رائد كشكية
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
"سايكس بيكو" جديد يطبق
في المنطقة العربية
04.03.2013 | 14:33 اخبار الشرق الاوسط
حجم الخط
"سايكس بيكو" جديد يطبق في المنطقة العربية
العراق وخطر السيناريو السوري
سورية.... بوابات الجحيم وبصيص الأمل
هاغل: الدعم الأمريكي للمعارضة السورية سينحصر في المساعدات غير
القاتلة
"لوفيغارو": قوات خاصة امريكية وغربية تدرب المعارضة المسلحة السورية
في الأردن
صالحي: سورية تواجه أزمة مفروضة عليها
ما هي حقيقة الخطط البريطانية في الشرق الأوسط
هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا العالم؟ وهل
يوجد من يفكر جديا في مسألة في غاية الأهمية،هي ماذا تريد إسرائيل؟ ومن
أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
الثورات العربية التي انطلقت في عام 2011 هي عمليات تاريخية لم يقدّر أحد
بعد نتائجها وعواقبها. لكنها من حيث شمولها وامتدادها تذكّر بتلك التي
انطلقت منذ قرن في 16 أيار 1916. نتائج تلك الثورة كانت تشرذم العالم
العربي وانقسامه إلى دويلات صغيرة مازالت قائمة إلى اليوم وفق اتفاق "سايكس
بيكو"، الذي وضع في لندن من قبل البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو
لتقاسم التركة العثمانية.
الاتفاق رسم خرائط منطقة الشرق الاوسط والحدود المستقبلية لبلدانها، وكان
الانكليز والفرنسيون حريصون على تغذية الطائفية ففصلوا لبنان عن سورية،
وفصلوا الموصل بسنتّه ومسيحييه عن حلب، وأبعدوا علويي اسكندرونة عن
اللاذقية، ووزعوا الأكراد على عدة دول، ووضعوا في فلسطين حجر الأساس لدولة
إسرائيل. هذا التقسيم الذي عاش قرنا من الزمن يترنح الآن. وإذا كانت
النتائج الأولية لزعزعة البناء القديم لاتبشر بالخير، أفلا يجب أن تدلّ
على وجود اتفاق استعماري جديد على نمط "سايكس بيكو"؟
سكان المنطقة ينفذون المشاريع الاستعمارية الجديدة بأنفسهم
بدأت زعزعة الاستقرار في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق. وبمرور عقد
تحولت واحدة من أقوى دول المنطقة إلى بلد ضعيف تتناحر فيه الطوائف، وساحة
لنفوذ دول إقليمية وتدخّل من قبل تركيا وايران والمملكة العربية السعودية.
في سورية حصل الأكراد نتيجة الأزمة على حكم ذاتي يستطيعون تطويره إلى
مايشبه الاستقلال الذي يتمتع به إخوانهم في العراق. وبذلت وتبذل جهود جبارة
لإثارة النعرات الطائفية بدأت تثمر دما بتحول الحرب الدائرة تدريجيا
لتصطبغ بالصبغة الطائفية.
الرئيس العراقي جلال طالباني قال مرة:"أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل
والنفط".
وقال برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق:"ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً
عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا".
الخرائط يعاد رسمها، وترسم خرائط جديدة للعالم كله عموما وللمنطقة العربية
خصوصا، وقد نشرت دراسات كثيرة حددت المشاريع وصورة التقسيم وشكل الدول
الجديدة التي ستظهر على خارطة الغد، لكن هذه المشاريع تختلف عن المشاريع
الاستعمارية القديمة بطريقة التنفيذ، هذه ينفذها سكان المنطقة بأنفسهم.
قليل من العمالة مع كثير من الجهل، وتجد المنطقة نفسها في براثن الطائفية
تغتسل بدمها.
لم يتغير شيئ، كما في الماضي يعمل مبدأ "فرق تسد"، والهدف هو تفكيك
العالمين العربي والإسلامي وتحويلهما إلى إمارات صغيرة، وقد وضع حجر الأساس
في هذا البناء، فسورية تمزقها حرب أهلية وعدد القتلى فيها حسب الأمم
المتحدة وصل إلى 70 ألف قتيل. وينعكس ذلك على لبنان في صراع يهدد بإشعال
حرب طائفية في المنطقة بأسرها.
السودان انقسم إلى سودانين ولم يفقد قدرته على الانقسام بعد. والعراق يبدي
الرغبة في التفكك. مصر وتونس في أزمة تقود تدريجيا إلى الاقتتال، والقبائل
الليبية تقتل بعضها. الجامعة العربية التي لاحول لها ولاقوة تشارك في
المعركة وإسرائيل تتفرج وتزداد قوة.
سلام أمريكا كما حروبها لصالح إسرائيل
كل تعامل الولايات المتحدة مع البلدان العربية كان سلسلة متواصلة من الضغوط
التي تخدم مصالح إسرائيل، ولهذا الغرض استخدمت مصطلحات الدول المارقة
والمنبوذة وتهمة تشجيع الإرهاب، بحق البلدان التي حاولت اتخاذ قرارات
لاتروق لإسرائيل. بالإرهاب اتهمت ليبيا وسوريا ومنظمة التحرير ولبنان،
والأردن والعراق وحتى السعودية. والبراءة من تهمة الإرهاب مرتبطة باستعداد
هذا البلد أو ذاك لتوقيع الاتفاق المناسب مع إسرائيل.
سورية وفق زائرها بيل كلينتون لم تكن تشجع الارهاب، وصارت مشجعة له بعد
يومين فقط، عندما عارضت الاتفاق الموقع بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بشأن
الحكم الذاتي.
تنتقل الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما الثانية من سياسةَ استخدام
القوة وعرض العضلات إلى سياسة الحوار، ويرى البعض في السياسة الأميركية
الراهنة حيال سورية دليلا آخر على الخيانة التي كثيرا ما رافقت علاقة
الولايات المتحدة بـأصدقائها.
وتغيرت اللهجة الأمريكية مع ايران أيضا، ولخّص وزير الخارجية الإيراني علي
أكبر صالحي ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان بقوله: "وصلت الأمور إلى منعطف،
وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة". وإن كانت محادثات آلما آتا
قد تعلَّقت بالملف النووي الإيراني، إلا أنها شكّلت بداية تغيّر في
العلاقات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
سبق وحصلت ايران حسب بعض المحللين على هدايا قيّمة من الرئيس السابق جورج
دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، ويقدر البعض أنها عازمة على
الاستفادة من رفض أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران مقرا بذلك لطهران
بدورها الإقليمي، وطهران لن تقلص هذا الدور في العراق وسورية ولبنان، وتبدو
واشنطن بصدد تلبية مطلب طهران الخاص بالملف النووي، كما بيّنت محادثات
كازاخستان.
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يعارض تسليح المعارضة السورية لأن هذا
يؤدي إلى "حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق"،
وبات واضحاً أن الحرب في العراق حققت إنجازات إقليمية لإيران وليس
للولايات المتحدة. وتفضل إدارة أوباما عدم رؤية المخاطر المحدقة بالعراق،
والتي وصفها المالكي بالحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، وهي رهن
بالتطورات على الساحة السورية.
منطقة الشرق الأوسط يعلو فيها صوت طبول الحرب بين السنّة والشيعة، ويراها
كثير من المراقبين حربا بالنيابة عن ايران ودول خليجية، ساحتها الشرق
الأوسط انطلاقاً من سورية. حرب هي ذاتها التي يخوضها الجهاديون أينما وجدوا
تربة خصبة، تهدد كل منطقة يكون لإيران فيها نفوذ. ولكن لماذا يصرّ البعض
على رؤية المؤامرة الايرانية في كل مكان؟ ألا تصب هذه الرؤية الماء على
طاحونة المؤامرة الغربية؟ ومتى كانت الولايات المتحدة بريئة من إشعال
الحروب الطائفية؟ وأين هو دور إسرائيل في هذه المعادلة؟
وسؤال أخير: هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا
العالم؟ وهل يوجد من يفكر جديا في مسألة هي في غاية الأهمية، ماذا تريد
إسرائيل؟ ومن أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
رائد كشكية
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
"سايكس بيكو" جديد يطبق
في المنطقة العربية
04.03.2013 | 14:33 اخبار الشرق الاوسط
حجم الخط
"سايكس بيكو" جديد يطبق في المنطقة العربية
العراق وخطر السيناريو السوري
سورية.... بوابات الجحيم وبصيص الأمل
هاغل: الدعم الأمريكي للمعارضة السورية سينحصر في المساعدات غير
القاتلة
"لوفيغارو": قوات خاصة امريكية وغربية تدرب المعارضة المسلحة السورية
في الأردن
صالحي: سورية تواجه أزمة مفروضة عليها
ما هي حقيقة الخطط البريطانية في الشرق الأوسط
هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا العالم؟ وهل
يوجد من يفكر جديا في مسألة في غاية الأهمية،هي ماذا تريد إسرائيل؟ ومن
أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
الثورات العربية التي انطلقت في عام 2011 هي عمليات تاريخية لم يقدّر أحد
بعد نتائجها وعواقبها. لكنها من حيث شمولها وامتدادها تذكّر بتلك التي
انطلقت منذ قرن في 16 أيار 1916. نتائج تلك الثورة كانت تشرذم العالم
العربي وانقسامه إلى دويلات صغيرة مازالت قائمة إلى اليوم وفق اتفاق "سايكس
بيكو"، الذي وضع في لندن من قبل البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو
لتقاسم التركة العثمانية.
الاتفاق رسم خرائط منطقة الشرق الاوسط والحدود المستقبلية لبلدانها، وكان
الانكليز والفرنسيون حريصون على تغذية الطائفية ففصلوا لبنان عن سورية،
وفصلوا الموصل بسنتّه ومسيحييه عن حلب، وأبعدوا علويي اسكندرونة عن
اللاذقية، ووزعوا الأكراد على عدة دول، ووضعوا في فلسطين حجر الأساس لدولة
إسرائيل. هذا التقسيم الذي عاش قرنا من الزمن يترنح الآن. وإذا كانت
النتائج الأولية لزعزعة البناء القديم لاتبشر بالخير، أفلا يجب أن تدلّ
على وجود اتفاق استعماري جديد على نمط "سايكس بيكو"؟
سكان المنطقة ينفذون المشاريع الاستعمارية الجديدة بأنفسهم
بدأت زعزعة الاستقرار في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق. وبمرور عقد
تحولت واحدة من أقوى دول المنطقة إلى بلد ضعيف تتناحر فيه الطوائف، وساحة
لنفوذ دول إقليمية وتدخّل من قبل تركيا وايران والمملكة العربية السعودية.
في سورية حصل الأكراد نتيجة الأزمة على حكم ذاتي يستطيعون تطويره إلى
مايشبه الاستقلال الذي يتمتع به إخوانهم في العراق. وبذلت وتبذل جهود جبارة
لإثارة النعرات الطائفية بدأت تثمر دما بتحول الحرب الدائرة تدريجيا
لتصطبغ بالصبغة الطائفية.
الرئيس العراقي جلال طالباني قال مرة:"أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل
والنفط".
وقال برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق:"ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً
عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا".
الخرائط يعاد رسمها، وترسم خرائط جديدة للعالم كله عموما وللمنطقة العربية
خصوصا، وقد نشرت دراسات كثيرة حددت المشاريع وصورة التقسيم وشكل الدول
الجديدة التي ستظهر على خارطة الغد، لكن هذه المشاريع تختلف عن المشاريع
الاستعمارية القديمة بطريقة التنفيذ، هذه ينفذها سكان المنطقة بأنفسهم.
قليل من العمالة مع كثير من الجهل، وتجد المنطقة نفسها في براثن الطائفية
تغتسل بدمها.
لم يتغير شيئ، كما في الماضي يعمل مبدأ "فرق تسد"، والهدف هو تفكيك
العالمين العربي والإسلامي وتحويلهما إلى إمارات صغيرة، وقد وضع حجر الأساس
في هذا البناء، فسورية تمزقها حرب أهلية وعدد القتلى فيها حسب الأمم
المتحدة وصل إلى 70 ألف قتيل. وينعكس ذلك على لبنان في صراع يهدد بإشعال
حرب طائفية في المنطقة بأسرها.
السودان انقسم إلى سودانين ولم يفقد قدرته على الانقسام بعد. والعراق يبدي
الرغبة في التفكك. مصر وتونس في أزمة تقود تدريجيا إلى الاقتتال، والقبائل
الليبية تقتل بعضها. الجامعة العربية التي لاحول لها ولاقوة تشارك في
المعركة وإسرائيل تتفرج وتزداد قوة.
سلام أمريكا كما حروبها لصالح إسرائيل
كل تعامل الولايات المتحدة مع البلدان العربية كان سلسلة متواصلة من الضغوط
التي تخدم مصالح إسرائيل، ولهذا الغرض استخدمت مصطلحات الدول المارقة
والمنبوذة وتهمة تشجيع الإرهاب، بحق البلدان التي حاولت اتخاذ قرارات
لاتروق لإسرائيل. بالإرهاب اتهمت ليبيا وسوريا ومنظمة التحرير ولبنان،
والأردن والعراق وحتى السعودية. والبراءة من تهمة الإرهاب مرتبطة باستعداد
هذا البلد أو ذاك لتوقيع الاتفاق المناسب مع إسرائيل.
سورية وفق زائرها بيل كلينتون لم تكن تشجع الارهاب، وصارت مشجعة له بعد
يومين فقط، عندما عارضت الاتفاق الموقع بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بشأن
الحكم الذاتي.
تنتقل الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما الثانية من سياسةَ استخدام
القوة وعرض العضلات إلى سياسة الحوار، ويرى البعض في السياسة الأميركية
الراهنة حيال سورية دليلا آخر على الخيانة التي كثيرا ما رافقت علاقة
الولايات المتحدة بـأصدقائها.
وتغيرت اللهجة الأمريكية مع ايران أيضا، ولخّص وزير الخارجية الإيراني علي
أكبر صالحي ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان بقوله: "وصلت الأمور إلى منعطف،
وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة". وإن كانت محادثات آلما آتا
قد تعلَّقت بالملف النووي الإيراني، إلا أنها شكّلت بداية تغيّر في
العلاقات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
سبق وحصلت ايران حسب بعض المحللين على هدايا قيّمة من الرئيس السابق جورج
دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، ويقدر البعض أنها عازمة على
الاستفادة من رفض أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران مقرا بذلك لطهران
بدورها الإقليمي، وطهران لن تقلص هذا الدور في العراق وسورية ولبنان، وتبدو
واشنطن بصدد تلبية مطلب طهران الخاص بالملف النووي، كما بيّنت محادثات
كازاخستان.
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يعارض تسليح المعارضة السورية لأن هذا
يؤدي إلى "حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق"،
وبات واضحاً أن الحرب في العراق حققت إنجازات إقليمية لإيران وليس
للولايات المتحدة. وتفضل إدارة أوباما عدم رؤية المخاطر المحدقة بالعراق،
والتي وصفها المالكي بالحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، وهي رهن
بالتطورات على الساحة السورية.
منطقة الشرق الأوسط يعلو فيها صوت طبول الحرب بين السنّة والشيعة، ويراها
كثير من المراقبين حربا بالنيابة عن ايران ودول خليجية، ساحتها الشرق
الأوسط انطلاقاً من سورية. حرب هي ذاتها التي يخوضها الجهاديون أينما وجدوا
تربة خصبة، تهدد كل منطقة يكون لإيران فيها نفوذ. ولكن لماذا يصرّ البعض
على رؤية المؤامرة الايرانية في كل مكان؟ ألا تصب هذه الرؤية الماء على
طاحونة المؤامرة الغربية؟ ومتى كانت الولايات المتحدة بريئة من إشعال
الحروب الطائفية؟ وأين هو دور إسرائيل في هذه المعادلة؟
وسؤال أخير: هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي يتعرض له هذا
العالم؟ وهل يوجد من يفكر جديا في مسألة هي في غاية الأهمية، ماذا تريد
إسرائيل؟ ومن أين ستأتي الضربة اللاحقة؟
رائد كشكية
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم
http://arabic.rt.com/analytics/69305/ :روسيا اليوم